الناقد: محمود عودة في قراءة تحليلية لـنص “المهدية” للأديب: مختار أمين

قراءة تحليلية لنص الكاتب المبدع مختار أمين .. “المهدية” بقلم الناقد: محمود عودة

_____________________________________________

(النص)

المهديّة

قابلتها مرات قليلة، ولعبت معها صغيرا، وتحاورنا حوارات خاطفة عن الطبيعة وما وراء الطبيعة والوجود، الغريب أن كل مرة بعد حديثها يتوه عني الطريق إلى البيت وأضل..

هذه الساحرة التي تسحر أول ما تسحر.. تسحر قلمها، في الليل تأخذه حيث الجبال الشاهقة مستلقية على الرمال تغني، حتى القمر في هذه الليالي يخشى في هذا السكون أن يطلّ كاملا من عليائه يفشي سرهما..

بعد غناء طويل مبحوح، تلقّنه القصّة بهدوء ودلال لطفل فصيح، تدرك أنه وقت الجمع يبهرهم بفصاحته ولسانه الحلو..

ـ هيييه.. أكتب ما أمليك على جدار الغيب..

كانت فتاة مبهرة، تذهل الرجال في خصالهم، كما أن قديما الغلمان أقرانها حمدوا الله على أنها شبّت عن الطوق؛ فمنعت..

عاندت أباها في فترات القيلولة، من النافذة تحكي لهم قصّة الجان المؤنس الذي يتخفّى بين الناس، بإرادة كالحديد، وقوة تدهش البعض، وعينان عميقتان كالبحر، وموجات الغضب تدور في محجريها، كما القصر العتيق في طرف المدينة، في الليل يتصدّع، يصرخ كما الوحش، ثم ينهال كومة من تراب، في الصباح يراه الجميع ماثلا أمامهم ينظرون إليه الأطفال بعيون رعب الليل..

قطّ لم تمتنع عن اللعب مع الأولاد الذين يجتمعون تحت نافذتها تطل إليهم تحكي لهم الحكايات، هي تناور جميع من في الداخل والخارج حتى تفعل كل ما تريد بكل حريّة..

كثيرا ما لمح طيفها بعض أهل القرية على ضفة النهر تسير وحدها ليلا والناس نيام، تسير في خطى ثابتة عجلة، كأنها على موعد محتوم، وعند العودة بعض النظرات المرعوبة تنتظرها وتلاحقها.. بعد أن تابعتها وهي تخلع كل ملابسها كاملة وتهبط في النهر سابحة، وتلتف حولها الأسماك الكبيرة والدلفين يداعبنها وتداعبهم، وتطعم كل واحدة بثمة شيء تقطفه من فمها، ثم يتسابقون جميعا، وتسابقهم ولم يلحق بها أيّ منهم، يسبحون خلفها بشكل بيضاوي كبير، وعندما يبادر الفجر في اللّواح يختفون جميعا..

كان الأب يدرك، وبعض أولاد الأعمام والخالات ممن كان يرافقونها ويماثلونها في العمر، ويحفظون لها تاريخا طويلا في طفولتهم..

كان التفاهم والحديث بينها وبين أبيها أغلبه بالنظرات، عندما تتشابك العيون في حديث طويل عنيف به مدّ وجزر..

والأم كالعادة تولول على ضياع حظها معهما، تصرخ غالبا..

ـ البنت لابد لها أن تتزوّج.. مثلها مثل كل البنات.

ـ فلنؤجل الأمر حتى يأذن الله.

ـ الله لا يرضى بما تفعلانه.

عندما أطرقت له مستفسرة؛ حدّثها..

ـ كانت لي مغامرة مع الليل والبحر وحكاياتهما الخفيّة.. ذات يوم ضاجعته، أو ضاجعتها لا أدري وعندما وضعتك أخذتك لتلك العاقر.

خرجت في الليل ولم تعد، وقالوا أنها تعيش في القصر والبعض جزم بأنها كانت تأتي وترمي إلينا بعض قصصها المسلّية..

وأنا لم أجزم أنها ستأتي، أو سيأتي يوما!!.

القراءة التحليلية
عنوان النص وهو عتبته “المهدية” ويتبادر إلى ذهن المتلقي لأول وهلة من هي هذه المهدية والكل يعلم أن الهداية تأتي من الله سبحانه وتعالى “يهدي من يشاء ويضل من يشاء” وهنا تبدأ الإنزياحات على متن النص وبإسلوب الكاتب المراوغ تمكن من جذب المتلقي ليخوض في أمواج النص الهادرة ويجاهد بكل قوة حتى لا يغرق في أعماقه.
نقل الكاتب المتلقي من المهدية إلى الساحرة ويبدو هنا التناقض فلا يمكن أن تكون الساحرة مهدية، وهذه إحدى مراوغات الكاتب فنجده بعد وصف البطلة بالساحرة يقول أول ما تسحر قلمها، فيعجز عن الكتابة ولكنه يحلق في خيالها بوصف الطبيعة، الجبال والرمال بينما تغني شدواً تصمت له كل أطياف الكون الطبيعية حتى القمر يخشى الصمت الذي يلف غنائها فلم يطل من عليائه كاملاً.
ومن هذا المقطع نرى فتاة مثقفة وكاتبة مبدعة تعيش في مجتمع شرقي قروي أو مدني يرفض شكل الإبداع في المرأة وحريتها في التعبير عن مكنوناتها الأدبية والفكرية من خلال قصة أو رواية، تسردها للأطفال فتعلق في أذهانهم فيتحدثون بها كرواة وهو ما أشار إليه الكاتب بعبارة “اكتب ما أمليك على جدار الغيب” أي أن قصصها ورواياتها لم تكتب على ورق خوفاً من سقوطها في يد أحد المتزمتين فيصادرها كما صادر حريتها .
ويستمر الكاتب في وصف الفتاة، كانت مبهرة بذكائها مذهلة الرجال في خصالهم التي ترفض تفوق المرأة عليهم ، حتى الأطفال من أقرانها حمدوا الله أنها شبت بسرعة وبلغت قمة أنوثتها فمنعت من إكمال تعليمها ثم يدخلنا إلى أكثر صفات هذه الفتاة حساسية في مجتمعها، تعاند والدها وتنتهز وقت قيلولته لتطل من النافذة لتسرد قصصها ويسرح خيالها مع الجان المؤنس يتخفى بين الناس وتظهر على وجهها انفعالات متلازمة مع سردها فتثور موجات الغضب في مقلتيها وتصعد انفعالاتها إلى القمة حيث القصر العتيق في طرف المدينة فتراه يصرخ كما الوحش ثم ينهال كومة تراب، ولكونها مهدية ترى أنها سوف تسكن هذا القصر ولكن! وتستمر في تمردها وحديثها وقصصها وتناور كل من حولها داخل البيت أو خارجه وتفعل ما تريد بحرية.
هنا يبدأ الكاتب مخاتلته مع المتلقي ليصل إلى عقدة النص بانزياحته على مصير هذه الفتاة للتحول من إنسانة إلى جنية أو ملاك مهدية، فبعد أن سحرت الكل بذكائها وفطنتها وأذهلتهم بتمردها على العادات والتقاليد المقيتة والمقيدة لحريتها اختفت من القرية، ولكن طيفها لم يغادرها، فكان أهل القرية يلمحونها تسير ليلاً وحدها والناس نيام على ضفة النهر وتخلع ملابسها كاملة وتهبط في النهر سابحة فتحتفي بها الأسماك الكبيرة والدولفين فيداعبنها وتداعبهم وتتسابق معهم وتسبقهم جميعاً حتى يلوح الفجر فيختفي الجميع.
بعد أن عرفنا مصير هذه الفتاة رجع بنا الكاتب إلى حوار بالنظرات وحديث طويل عنيف بين المد والجزر مع والدها وأبناء عمها وخالاتها، مع ثورة الأم عليهم جميعاً وهي تصرخ البنت لا بد ان تتزوج مثل كل البنات، فيرد الجميع فليؤجل الأمر حتى يأذن الله وبهذه العبارة تلميح من الكاتب بما يضمرونه من شر لهذه الفتاة، وفي كرارة نفس كل منهم أن هذه البنت أكبر من أن تصلح بثقافتها وحريتها زوجة لأحدهم وقد فطنت الأم لمكرهم ولذا كانت ثورتها عليهم .
ويدرحرجنا الكاتب إلى الخاتمة.. عندما أطرقت؛ حدثها كانت لي مغامرة مع الليل والبحر وحكايتهما الخفية.. ذات يوم ضاجعته أو ضاجعها وعندما وضعتك أخذتك لتلك العاقر، هنا يتبادر إلى ذهن المتلقي سؤال: من هو هذا الشخص الماجن صاحب المغامرات والذي ضاجعها أو ضاجعته وعندما وضعتك أخذتك لتلك العاقر؟ لم يحدد لنا الكاتب علاقته بالفتاة، أهو والدها؟ وهنا سؤال آخر أهي ابنة سفاح؟ وأمها ليست امها التي ولدتها هذا ما يبدو لأول وهلة وبعد التعمق في النص تشعر بأنه شخص وهمي يعيش معها في مخيلتها، وهو الشخص الذي يعشعش في فكرها قلبه وتتمناه زوجاً لها يشد على يدها ويرفع عقيرتها وإلهامها إلى سلم المجد والحرية التي تبحث عنها.
بعد هذا يأتي بالحبكة التي تحدد مصير الفتاة التي خرجت في الليل ولم تعد وعاشت في القصر الذي روت عنه بخيالها مئات السنين، والبعض يجزم أنها كانت تأتي وترمي إلينا قصصها المسلية، ويتدخل الكاتب في الحبكة بقوله “وأنا لم أجزم بأنها ستأتي أو سيأتي يوماً”، هنا يتبادر إلى ذهن المتلقي كيف يشعر أهل القرية بعقدة الذنب التي تراودهم لما فعلوه بالفتاة بدلاً من الشد على يدها والوقوف إلى جانبها كزهرة منيرة في المجتمع ويتدخل الكاتب برأيه هنا بقوله أنها لن تأتي ولن يأتي وحيها، بل ستبقى ذكرى تنخر في عقول أهل القرية، مهدية كما الأولياء الصالحين.
وأرى الكاتب بهذا النص الرائع أراد التعبير عن الحالة التي عليها المرأة الآن وأن اليوم الذي تصبح متمكنة من حريتها وحرية قرارها أسوة بالرجال لم يأت بعد.
كل التحية للكاتب المبدع الأستاذ مختار أمين على هذا النص الرائع الذي أرهقني وأتمنى أن أكون سبرت غوره العميق وأن ينال استحسانه واستحسان جمهوره العريض.

الناقدة: زهرة خصخوصي في قراءة لـنص “حكي تحت السيف” للكاتبة: مهدية أماني

الناقدة: زهرة خصخوصي في قراءة لـنص “حكي تحت السيف” للكاتبة: مهدية أماني
________________________________

(النص)

حكي تحت السيف.
لما نادى علي شهريار من دون كل القصّاصين استغْربت الأمْر ، فلسْت أبدعَهم ولا أتقنَهم لهذا الفنّ، توجست خِيفة وأنا أُدخَلُ إليه، رمقْت شهرزاد مكوّرة في مَسْكنة جِوار تَخْته صامتة تنظُر إليّ شَزرا، تقيسُ طولي وعرْضي وتتمعّن في ملامِحي البرْبريّة، بادلتُها الشّزر وأضفت عليه الشّفَن تحدّيا، طاف طيْف ابتسَامة ساخِرة على طرفيْ فمها المرسُوم بدقّة، أما شهريار فبقيَ يمسِد لحْيته الكثّة ويرنُو إلى زخارف السّقف في استخفاف باد ٍ، كرِهته كما كرهتُ عجْرفته وعجِيزته السّمينة المتربّعة على طُنفُسِ الدّمَقْس ، تساءلتُ.. ماذا تحبّ فيه هذِه المرأة يا تُرى؟ بادرني بقسْوة وفظاظة لا تليقان بمقَام السّلاطين:
– هاتي، يا امرأة، وأوجزي فقد مللْتُ الحكْي الطّويل..!
لكنني أبيتُ أن أنطق حرفا.. وطال صمتي، صدرت عنه إيماءَة خفيفة لمَن خلْفي، وفي لحظة أحسسْت ببرُودة نصْل سيفِ مسرور على وريدي، تململتْ شهرزاد كأنّها تريدُ أن تقول شيئا، عَالجتُها بغمْزة صغيرة، أن اصمُتي فمكانتكِ على المحكّ، لكزني “المسرور”الغاضبُ بعقْب السيف في خاصِرتي، تأكّدت أنّني هالِكة لا محَالة إن لم أجد لي مخرجَا من هذه الورْطة، مرّت كل قصيْصاتي في خُلدي ققجَا وومْضا وهايكو وشذرا، استوقفْتُ واحدة منْهن، لمْ يُحبها المتصفّحون وانهالتْ عليّ الرّدود كالسّيل تُدين إغرابَ معانِيها، وغموض كلِماتها ويرمُونني بالغُرور الأدبي، والتبجّح الثّقافي، وإرادة الظّهور واسْتغباء القارئ، ودفعِه لتصفّح صفحات القواميس الصّفراء والخال غوغو وعمّتنا الغولة، فرسَيْتُ عليها وقلتُ في اعْتزاز وبدون اسْتعمال ألقَاب، وأنا أنظر في أم ّعين الشهريار:
– سأحكي قصة قصيرة جدا واحدة، إن فهمُتوها ،أتعهّد أن أبقَى هنا للأبد،وإن كان العكْس،أريد وعْدا قاطعَا منكم أن أعُود من حيْث أتيتُ سالمةَ، حرّك بِنصَره.. لم أفهم الإشارة، فلِلملوك فيما يبدو عادات غريبة.
– اسمعوا إذن وعوا .. عوا .. عوا.. عوا
تعمّدت تكرار كلمة العُواءِ ردّا على إهانةِ البنصَر، ولو قام بحركة أخرى لا تعجبني لكَان لي معه شأن آخر، حتى لو دفعت الثّمن عنقي، تحسّسته، ودخلتُ رأسَا في القصّ بدون مقدّمات ولا أيّها الملكُ السّعيد ولا يا صاحِب الرّأي السّديد ولا مدّدت له عُمرا.
-0-
ضربة شمس
ذات يوم أرُونَان ..أطبق عليه الرٌّون ..
فتمنى لو أن الشمس ذهبت لمراحها لتهب عليه رَوح الشمال
ببرد نسائمها وينسى وقع الزمن الأرُود
في لحظةِ تجلت له ريحانة الرَّادَة، رَوشَ عقله وطار..
وراء عطر الياسمين..
-0-
أنهيتها ب “تمت بحمد الله”.. كي لا ينْتظر اسْترسالا كعادَته مع شهْرزادهِ.
ولأول مرّة، أراهُ يسْتوي على مُقعدته الضّخمة، يقبِل عليّ بجِذعه وينْظر إلي بعينين سرحت فيهما شبكة خُطوط حمْراء وتشعّبت، ظلّ يفكّر لمدّة غير قصِيرة ويضرِب كفّا بكف في عصبية ظاهرة، يهمْهم ويدمْدم ويقمْقم، التفتَ أخيرَا لشهرزاد التي امتقع لونُها وغاضَ صفاؤها، وعلى وجْهه سُؤال بجحْم أحْناكه، هزّت كتفيْها وأنزلتْهما وقلَبتْ شفتَها السّفلى، ثم نظَر إلى السّياف فسمِعت صَليل الحَديد يخْرج من الغِمْد أغمضْت، رفعت سبّابتي وتشهّدت..
خار كالثور:
– أخرِجوا هذه المجْنونة من إيوَانِي ، لا أريد رؤْيتها هنا ثانية..
ورمى عليّ بكيس له رنين، عزّت على نفْسي ولمْ أرتَضِ الانْحِناء لالْتِقاطه، فقد اخترتُ ميدانا لا يدرّ على صاحِبه شيئا غيْر بعْض التّقدير يصُون له كرامته، خافَ مسرور أن ينقلبَ غضب الملك عليْه لتلكُّئِه في تنْفيذ الأمْر، غرزَ في الكيس طرَف السّيف ورفعَه في الهواء، ولبُرهة تخيّلتُه رأسي، سبقَني في دهاليز غير التي دخَلنا منها، فتَبعْتُه إلى أن وجدتُني خارج الأسْوار، قذَفني بالكِيس وأتْلاهُ بشَتيمَة أظنّه تعلّمها من أحَد الخِصْيان، التَقفْتُه في الهواء، ارْتكزْت جيّدا على قدميّ، تذكّرتُ أنني كنْت في عزّ شبابي لاعِبة كُرة يدٍ مميّزة، سدّدْتُ وأطلقْتُ.. ذهبَهُم الوسِخ على عيْنِه مباشرةَ.
_____________________________

(القراءة)

طروادة الحكاية.. كما جنح المحاربون حين استعصت عليهم القلعة وانغلقت في وجوههم بوابات طروادة إلى حيلة الحصان، الهبة الربانية واندسوا في هيكلها مدججين بأسلحتهم. فولجوا القلعة من فسيح بواباتها واعتلوا العرش بأيسر جهد، نسجت الأستاذة مهدية أماني هذه القصة القصيرة وفي رحمها قصة قصيرة جدا لتلقم شهدها للقارئ وهو ينتشي بالقصة القصيىة التي ألفها منذ زمن ويدرك حين تنتهي الحكاية أن القصة القصيرة جدا لا تعادي جنسا آخر ولا تسحب العرش الأدبي وصاحبه إليها إذ لها عرشها وبلاطها وفي مجلسها يتنافس المتنافسون…
توظيف الرمزية في النص: منذ الخطو الأول في درب الحكاية في نص الأستاذة مهدية تواجهنا الرمزية موظفة لخدمة المقاصد. فهذه شهرزاد سيدة الحكايات التي صارت تسمى القصص القصيرة رامزة إلى جنس أدبي ألفناه وأحببناه بل افتتنا به,تحضر في مشهد مسكنة وتذلل كتودد، وقد بلي فيها الألق والجمال وسحر الحضور ورفعة الحال رامزة إلى جنس القصة القصيرة وهي تغالب الزمن تجاهده وحديث الأجناس القصصية يكاد يطيح بعرشها. وذاك شهريار عاشق حكابا شهرزاد المنتصر لها الرافض لغيرها سيدا للقص رامزا إلى قارئ ألف القصة القصيرة وأنس إليها واستكان إلى فيئها رافضا كل تجديد يهدد عمدها بالتقوض وألقها بالتلاشي.. وتلك الراوية الشخصية المتمردة على المألوف التواقة إلى التجديد العاشقة للقصة القصيرة جدا تقاد إلى بلاط شهريار حكواتية تدفع إلى القص دفعا فلا تجد مناصا من الإفصاح والقص بغير الجنس المباح، رامزة إلى قريحة ما عشقت غير جنس القصة القصيرة وما أنست إلى دفق في غير مروجها وما عهدت نفسها تجود بغيرها ولو كان الحرف بوابة إلى المقصلة.. وتلك الحركة المرتدة على حدث قص القصة القصيرة. الصادرة عن شهريار المتمثلة في غضبة فطردة تصاحبها مكافأة هي حركة مثقلة بالرمزية إذ تعري حقيقة قارئ يدعي رفض القصة القصيرة جدا وهو يطرب لها سرا وبها ينتشي، وتكشف وجه اعتراف ضمني بقيمة هذا الجنس القصصي الجديد وتوجه نقدي نحو تنزيله منزلة الأدب الرفيع، وترسم القصة القصيرة جدا أفقا رحبا للإبداع والإمتاع والإقناع بمطيته إن أجاد ركوبها وسياستها وترويض قريحته على تشرب مناهلها.. ولعل تلك الخاتمة: ظفر بالروح والحرية ورمي للعطية في وجه حاملها ترزح بالدلالة عن رحابة فضاء القص حيث لا يملك جنس ولا عشاقه ولا رواده حق أسر القريحة ولا زهق روح الإبداع ولا تحكيم أهوائهم نقديا.
ابدعت الأستاذة مهدية أماني، كما ألفناها في ما جادت به علينا من بنات قريحتها، في رسم ملامح واقع بكل ما يؤلمها من بشاعة تسمه بأساليب مخاتلة رامزة موحية وقد وجهت منظارها الأدبي الناقد في نصها هذا نحو مضمار القص ذاته فكان الكلام على الكلام من داخل الكلام ذاته ضربا من ضروب الألق ووجها من وجوه المنهج الطروادي في مقارعة الطرف المخالف من داخل قلعته.. سلمت قريحتك مبدعتنا ولا نضب مداد قريحتك المائز..

دراسة نقدية بقلم الناقد: مختار أمين “حكي تحت السيف” نصّ الخديعة، والإفصاح عن الواقع المعاش، لا الحكاية، ولا الخيال للكاتبة: مهدية أماني

“حكي تحت السيف” نصّ الخديعة، والإفصاح عن الواقع المعاش، لا الحكاية، ولا الخيال للكاتبة: مهدية أماني.. قراءة بقلم الناقد: مختار أمين

(النص)

حكي تحت السيف.
لما نادى علي شهريار من دون كل القصّاصين استغْربت الأمْر ، فلسْت أبدعَهم ولا أتقنَهم لهذا الفنّ، توجست خِيفة وأنا أُدخَلُ إليه، رمقْت شهرزاد مكوّرة في مَسْكنة جِوار تَخْته صامتة تنظُر إليّ شَزرا، تقيسُ طولي وعرْضي وتتمعّن في ملامِحي البرْبريّة، بادلتُها الشّزر وأضفت عليه الشّفَن تحدّيا، طاف طيْف ابتسَامة ساخِرة على طرفيْ فمها المرسُوم بدقّة، أما شهريار فبقيَ يمسِد لحْيته الكثّة ويرنُو إلى زخارف السّقف في استخفاف باد ٍ، كرِهته كما كرهتُ عجْرفته وعجِيزته السّمينة المتربّعة على طُنفُسِ الدّمَقْس ، تساءلتُ.. ماذا تحبّ فيه هذِه المرأة يا تُرى؟ بادرني بقسْوة وفظاظة لا تليقان بمقَام السّلاطين:
– هاتي، يا امرأة، وأوجزي فقد مللْتُ الحكْي الطّويل..!
لكنني أبيتُ أن أنطق حرفا.. وطال صمتي، صدرت عنه إيماءَة خفيفة لمَن خلْفي، وفي لحظة أحسسْت ببرُودة نصْل سيفِ مسرور على وريدي، تململتْ شهرزاد كأنّها تريدُ أن تقول شيئا، عَالجتُها بغمْزة صغيرة، أن اصمُتي فمكانتكِ على المحكّ، لكزني “المسرور”الغاضبُ بعقْب السيف في خاصِرتي، تأكّدت أنّني هالِكة لا محَالة إن لم أجد لي مخرجَا من هذه الورْطة، مرّت كل قصيْصاتي في خُلدي ققجَا وومْضا وهايكو وشذرا، استوقفْتُ واحدة منْهن، لمْ يُحبها المتصفّحون وانهالتْ عليّ الرّدود كالسّيل تُدين إغرابَ معانِيها، وغموض كلِماتها ويرمُونني بالغُرور الأدبي، والتبجّح الثّقافي، وإرادة الظّهور واسْتغباء القارئ، ودفعِه لتصفّح صفحات القواميس الصّفراء والخال غوغو وعمّتنا الغولة، فرسَيْتُ عليها وقلتُ في اعْتزاز وبدون اسْتعمال ألقَاب، وأنا أنظر في أم ّعين الشهريار:
– سأحكي قصة قصيرة جدا واحدة، إن فهمُتوها ،أتعهّد أن أبقَى هنا للأبد،وإن كان العكْس،أريد وعْدا قاطعَا منكم أن أعُود من حيْث أتيتُ سالمةَ، حرّك بِنصَره.. لم أفهم الإشارة، فلِلملوك فيما يبدو عادات غريبة.
– اسمعوا إذن وعوا .. عوا .. عوا.. عوا
تعمّدت تكرار كلمة العُواءِ ردّا على إهانةِ البنصَر، ولو قام بحركة أخرى لا تعجبني لكَان لي معه شأن آخر، حتى لو دفعت الثّمن عنقي، تحسّسته، ودخلتُ رأسَا في القصّ بدون مقدّمات ولا أيّها الملكُ السّعيد ولا يا صاحِب الرّأي السّديد ولا مدّدت له عُمرا.
-0-
ضربة شمس
ذات يوم أرُونَان ..أطبق عليه الرٌّون ..
فتمنى لو أن الشمس ذهبت لمراحها لتهب عليه رَوح الشمال
ببرد نسائمها وينسى وقع الزمن الأرُود
في لحظةِ تجلت له ريحانة الرَّادَة، رَوشَ عقله وطار..
وراء عطر الياسمين..
-0-
أنهيتها ب “تمت بحمد الله”.. كي لا ينْتظر اسْترسالا كعادَته مع شهْرزادهِ.
ولأول مرّة، أراهُ يسْتوي على مُقعدته الضّخمة، يقبِل عليّ بجِذعه وينْظر إلي بعينين سرحت فيهما شبكة خُطوط حمْراء وتشعّبت، ظلّ يفكّر لمدّة غير قصِيرة ويضرِب كفّا بكف في عصبية ظاهرة، يهمْهم ويدمْدم ويقمْقم، التفتَ أخيرَا لشهرزاد التي امتقع لونُها وغاضَ صفاؤها، وعلى وجْهه سُؤال بجحْم أحْناكه، هزّت كتفيْها وأنزلتْهما وقلَبتْ شفتَها السّفلى، ثم نظَر إلى السّياف فسمِعت صَليل الحَديد يخْرج من الغِمْد أغمضْت، رفعت سبّابتي وتشهّدت..
خار كالثور:
– أخرِجوا هذه المجْنونة من إيوَانِي ، لا أريد رؤْيتها هنا ثانية..
ورمى عليّ بكيس له رنين، عزّت على نفْسي ولمْ أرتَضِ الانْحِناء لالْتِقاطه، فقد اخترتُ ميدانا لا يدرّ على صاحِبه شيئا غيْر بعْض التّقدير يصُون له كرامته، خافَ مسرور أن ينقلبَ غضب الملك عليْه لتلكُّئِه في تنْفيذ الأمْر، غرزَ في الكيس طرَف السّيف ورفعَه في الهواء، ولبُرهة تخيّلتُه رأسي، سبقَني في دهاليز غير التي دخَلنا منها، فتَبعْتُه إلى أن وجدتُني خارج الأسْوار، قذَفني بالكِيس وأتْلاهُ بشَتيمَة أظنّه تعلّمها من أحَد الخِصْيان، التَقفْتُه في الهواء، ارْتكزْت جيّدا على قدميّ، تذكّرتُ أنني كنْت في عزّ شبابي لاعِبة كُرة يدٍ مميّزة، سدّدْتُ وأطلقْتُ.. ذهبَهُم الوسِخ على عيْنِه مباشرةَ.

1ـ بين الفكرة والتقاط الذات:
ما أمتع القصّ الذي يمتزج بالخيال كما الحلم، يكاد يقرّبه معنى للتفسير، عندما يكتب القاص في أوله: رأيت فيما يرى النائم..!
وهذا النوع من القصّ ـ على سبيل المثال ـ هذا النصّ الذي بين أيدينا، الذي حذفت منه مقولتي في بدايته، يحيلك أن تفسر الحلم، وتردّ ما هو خيالي إلى ما هو واقعي، وفي الأخيرة مقصد النصّ الأدبي ونقده، أي تأوّل ما أتى في سطوره، لتعمّ الفائدة من هذا السرد البليغ..
فعبقرية القاصّة هنا، وحرفيّتها المشهود لها، حذف التمهيد المتعارف عليه في بعض بدايات القصص، وأدخلت القارئ في خضمّ الحدث، أي أنها أشرعت له نافذة خاصة ليرى الحدث مصوّرا ـ مشهد سينمائي ـ ترى الفعل آن تصويره مجسّدا، وإن لم تسمع أصواته تدركه..
مع مشهد أسطوري بتناص مع حكاية شهرايار مع نسائه، ومدلّلته شهرزاد صاحبة الحكاية التي برعت في أن تقصّ على الملك حكايات لألف ليلة وليلة هروبا من الموت في وجود السيّاف مسرور الذي بتر مئات رؤوس النساء قبلها..
والبغية في الحكاية الأسطورية النجاة من الموت بالحيلة، والفوز بالنعيم في ملازمة القصر والملك اعتمادا على الحكاية ليتعلّم الجميع من الحكاية وأثرها على المتلقي..
ماذا استفادت شهرزاد من حرفتها الوحيدة أمام ملك سادي.. شاذ المزاج، لم يفلح معه كغيرها، من أسلحة الأنثى الفاتكة الجميلة المدلّلة الغنوجة التي تمتلكها بالطبيعة، أو لطبيعة هذا العصر ـ وما يختار من نساء لمثل هؤلاء الملوك ـ سوى الاعتماد على القصّة والحكاية، وإن كانت شرطا من شروط الملك؟.
والبغية فيما أرادت أن ترويه لنا القاصّة في هذا العصر الحديث، نفس الأمر ـ أثر الحكاية والرواية والقصة ومشتقاتها ـ على المتلقي الحديث، الذي تشعّب وتشتّت، وهو بات يملك نفس مزاج الملك، ونفس المسرور السيّاف قاطع الرقاب، لمن لا يطرب هذا المتلقي المتغطرس الذي تدنّى في العلم والثقافة والوعي، وبات متعجلا متسرعا لنشوة القراءة والسمع، وحلفائه المسرورين ـ كناية عن مسرور السيّاف “الناقد” صاحب القرار في التفسير والجودة..
وبالتداخل الحِرَفيّ التي أدخلته القاصّة، هو دخول الحديث على القديم في تماسّ وتشابه برع، أمّا التماسّ، هو إشكالية ما ينتج من جديد في عالم القصّ الحديث، ومشاغلة القديم في عملية الروي، والهدف المتعة والاستمتاع بين الحديث والأسطوري في الرويّ..
والتشابه في البطلة القاصة الراوية التي أتت من العالم الحديث، ودسّت بين جمع النساء الرواة في القصر، وبين شهرزاد التي فازت كراوية لألف ليلة وليلة للملك، ومسرور الذي أفحم مع ملكه، الذي يقوم بدور الناقد في المبدأ التفسيري للنصّ، والمشهد المصوّر الذي ظهر في الخاتمة، وهي تفقأ عينه بكيس الذهب الهديّة، وبه تقرر بعد نيل حريّتها، أن تترك المجال، وتعود لممارسة لعبتها رياضتها الأولى ـ لاعبة اليد ـ وبمهارتها فيها استردّت كرامتها.
وللنصّ في الحقيقة من روعته وخفّته له رؤى متعدّدة على تأويلات عدّة كلها وإن اجتمعت اجتمعت على هذا المعنى الشافع الناجز المرضي، ألا وهو تصوير لحالة كاتبة يئست مما يدور حولها من نفاق تارى، وعدم فهم وغطرسة تارى أخرى، فيما اختارت لنفسها من طرائق للإبداع في النصوص الأدبية، وهل هذه الموهبة أو الميزة التي أعطاها إيّها الله.. تفيد الأخرين؟ يستمتعون بها؟ تفيدها هي شخصيا؟ ونراها قد تركتنا نحن معها ندور حول عدّة تساؤلات ليس لها من جواب شاف مرض، كتصوير بارع للحالة التي تمر بها في الواقع.
ونراها أيضا، أو نرى النصّ يحدثنا عن الموت، ومحاولة الهروب منه، الهروب في الواقع من الموت المعنوي، الذي يتجسّد في باطن الشعور بالحياة الراكدة الغير مفيدة، الخالية من المتعة، موت يعبر عنه الحلم، وليس الحلم دائما ما نراه في نومنا، الحلم بالخيال، أن أتخيّل حلما ما، أو استلهمه، ويقوم بنفس وظيفة الحلم أثناء النوم؛ فهنا القصّة التي بين أيدينا، تستلهم حلما دالّا عن نفس المغزى، كاتبة تعكس حالتها النفسية أو ما يدور في باطنها، والقدرة الإبداعية هنا فيما حكينا، أنها اختارت تناصا واعيا من حكاية ألف ليلة وليلة لتستطيع البناء بحرّية كاملة لعكس ما تود أن تحكيه..

2ـ المونولوج النفسي مجس
كم عانيت وأنا أعمل مجبورا في أكثر من دولة عربية بحاجة للمال، (مدرس خاص للأدب) وأنا أشرح الجزء الخاص بتكوين الشخصية في النص الأدبي، وعنصر الحوار بالذات، للأثرياء، وخاصة النساء المدلّلات المهتمّات بالترف والأناقة، وكل ما يتصورنه أنه بدعة ترفعهن درجة، ومنه الأدب واحترافه، كنت على مقربة وشيكة بأني أعود إلى ظلم بلدي، والاطهاد من خلال أمن الدولة، وألقى في السجون أفضل من أربح منهن ملايين الدولارات كي أشرح لهن هذا، هذه ليست طرفة، أو خارج السياق، ولكنها في المتن في معناها..
إن الحوار ينقسم إلى نوعين: حوار نفسي داخلي ويسمى المونولوج، وحوار بين اثنين أو أكثر ويسمى الدَيالوج، وكل منهما له أثره البالغ في أي قصّ، بل الحوار من الركائز المهمة في تجسيد النص الأدبي، والعمل على مقاربته بالحقيقة، وأكم من حوار أضبش أعمى يسقط النصوص الأدبية رأسا على عقب، ويخرجها تماما من الاحترافية، وكم سقطت نصوص أدبية عظيمة لأدباء وعمالقة في آن الحرب الدائرة بين العامية والفصحى في منتصف الخمسينيات، وزمن خفتت فيه مشاعل النقد الحديث، وعقرت البطون المولّدة للناقد الحاذق الواعي، ولأشد ما أدهشني درس لدكتور في كلية دار العلوم للفرقة الثانية جامعة القاهرة في قسم البلاغة والنقد والأدب للدكتور حسن طبل عن علميّ المعاني والبديع، وشرع يشرح درسه للطلبة تحت مقولة “خير المقال ما قلّ ودلّ” ورأيت أن أشرح مدى تأثير المونولوج التي بنته الكاتبة في هذا النص تحت هذه المقولة، لقد اعتمدت الكاتبة على التنوير من خلال المونولوج النفسي الذي كان يكشف ويجسّد الحالة النفسية للبطلة، وما يدور حولها من أول أسطر النصّ، وبنفس طريقة المسرح الكلا سيكي في بناء المسرحية يقوم المؤلف في الفصل الأول وفي المشاهد الأولى بتعريف الشخصيات والجو والمكان اللذان تدور فيهما المسرحية، فنجدها تفتتح النص على لسان البطلة الراوية تقول: “لما نادى علي شهريار من دون كل القصّاصين استغْربت الأمْر ، فلسْت أبدعَهم ولا أتقنَهم لهذا الفنّ ، توجست خِيفة وأنا أُدخَلُ إليه” نرى كل جملة تحدث بها البطلة نفسها مفيدة مختصرة، مختزلة، دالة قاطعة، في الجملة الأولى جاءت طويلة لتخبرنا عن أكثر من شيء، في تلاحم بلاغي ممزوج بحرفة، لا تستطيع استئصالها، لأنها تخبرنا عن الفاعلين في الحدث ـ أنا وشهرايار ـ ومن أنا ـ (من دون القصّاصين) حالتها (استغربت الأمر) ثم المقطع الثاني، توصيف الحالة بدقة (فلست أبدعهم ولا أثقلهم لهذا الفن)(توجست خيفة وأنا أدخل إليه) ثم واصلت على نفس المنوال، وصفها للمكان من خلال النظر إلى شهرزاد ووصف جلستها للإفادة الدالة في النص، وتبادل الحوار من خلال النظرات، شهرزاد تقول لها في استعلاء من أنت؟ من خلال النظر وهي تقيس طولها وعرضها، سنجد كل الجمل لازمة، ومفسرة ودالّة لمن يريد التحليل الدقيق، حتى إن تصل لشهريار توصفه باستنكار كرجل، وهي تصفه بمقعدته الضخمة بمغزى، تود أن تهيّم عليك بوصفها لشكله ومكونات جسده وحركاته، أنه أبعد ما يكون عن ذلك الرجل الذي يقيم ضجة كبرى في المدينة لمن تصلح له خليلة أو زوجة، وهي تعبر في تعبير صريح استنكاري عن إشمئزازها منه، وهي تقول في نفسها “كرِهته كما كرهتُ عجْرفته وعجِيزته السّمينة المتربّعة على طُنفُسِ الدّمَقْس ، تساءلتُ.. ماذا تحبّ فيه هذِه المرأة يا تُرى؟” ساخرة حتى من شهرزاد من إعجابها به، وتواصل وكأنها طول النصّ تهمس لنا في اذننا عما يدور في نفسها، وعما يدور حولها ومعها باتقان وبأسلوب إخباري بحت أجادت في اختياره، واختيار الجمل لما يفيد جو الحكاية وروح النص، ولأول مرة أعهد مهدية تحكينا بهذه السلاسة والبساطة، وتلقي بألفاظها المقعرة خارج إيوان قصرها اللغوي..
أرجو من بعض الكتّاب أن يدرسوا درس البساطة في الحوار، والأسلوب، وبساطة الألفاظ المكوّنة للجملة، دراسة واعية عميقة، ليست البلاغة بعلومها الثلاث إلآ وبغيتها الامتاع من أقرب طريق وأيسره، ولم تكن أبدا بالألفاظ الثقيلة المقعّرة الغير مستعملة، ولا بالنشاز ذات الحروف الثقيلة التي لا تنسجم الأذن معها، ولكم معلومة حدثت في كل العصور العربية القديمة ـ عصور المفوهين والبلغاء ـ أن كل ما كان يستعمل الألفاظ الثقيلة المقعّرة المتعمدة المستعصية على الفهم، وصف قديما بالجاهل المتحزلق، حتى ولو أفادت معنى صحيحا، وكان نطقها عربيا سليما، والبعض وصفهم بالمفلسين، وللدلالة أرجو قراءة كتاب ” أدب الكاتب” لابن قتيبة و”ابن قتيبة ومقاييسه البلاغية” للدكتور محمد رمضان الجربي، “الأسلوب والأسلوبية” لعبد السلام المسدي، و “الأسلوب” لأحمد الشايب “دلائل الإعجاز” لعبد القاهر الجرجاني، والكثير، إبحث، إقرأ لئلآ يضحك عليك مدعي.