ملحمة كلكامش.. قراءة جديدة (عالِم سبيط النيلي) إنموذجاً بقلم الباحث/ عبدالله عبدالحسين الميالي


ملحمة كلكامش.. قراءة جديدة (عالِم سبيط النيلي) إنموذجاً

بقلم الباحث/ عبدالله عبدالحسين الميالي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست الفكرة التي تشغل بال المفكر شيئاً جاهزاً للتطبيق بقدر ما هي إمكانية للحياة والوجود، أو بالأحرى هي نص يقبل القراءة، أو تجربة يُعاد تشكيلها وصياغتها بتشكيل نص مغاير وخلق واقع مختلف، أو ابتكار ممارسات اجتماعية جديدة.. فأن نفكر فهذا معناه أننا نبدع ونخلق ونبتكر ونخرج من قوقعة الجمود والركود ونستيقظ من السُبات.. والإبداع الفكري يُصوره المفكر العربي المعروف د.محمد عابد الجابري في كتابه (إشكاليات الفكر العربي المعاصر/ ص50) حيث يقول: ((في الحقول المعرفية، كالفن والفلسفة والعلم، فالإبداع لا يعني الخلق من عدم، بل إنشاء شيء جديد انطلاقاً من التعامل نوعاً خاصاً مع شيء أو أشياء قديمة، قد يكون هذا التعامل عبارة عن إعادة تأسيس أو تركيب، وقد يكون نفياً وتجاوزاً، من هنا يمكن القول إن الإبداع في الفن هو: إنتاج نوع جديد من الوجود بواسطة إعادة تركيب أصلية للعناصر الموجودة . أما في الفلسفة، والفكر النظري بصورة عامة، فالإبداع نوع من استئناف النظر، أصيل، في المشاكل المطروحة، لا يقصد حلها حلاً نهائياً – ففي الفلسفة والفكر النظري ليست هناك حلول نهائية – بل من أجل إعادة طرحها طرحاً جديداً يُدشِّن مقالاً جديداً يستجيب للاهتمامات المستجدة أو يحث على الانشغال بمشاغل جديدة، وبعبارة أخرى أن الإبداع في مجال الفكر النظري عامة هو تدشين قراءة جديدة أصيلة لموضوعات قديمة، ولكن متجددة ..))
أسوق هذه المقدمة للوصول إلى موضوعنا عن المفكر العراقي الراحل ( عالِم سبيط النيلي ) الذي يُعتبر من المفكرين المظلومين إعلامياً (محلياً وعربياً وعالمياً) رغم مؤلفاته الفكرية التي يمكن أن يُقال عنها أنها من العيار الثقيل والتي تحمل بصمات التجديد ( ولكن للأسف التجديد دائماً مُحارب من قبل أهل الجمود والتقوقع !! ).. فحين نقرأ كتابه (ملحمة كلكامش والنص القرآني .. قراءة جديدة تكشف عن مرموزات الملحمة وفضائية رحلاتها من خلال وحدة الشخصيتين كلكامش وذي القرنين على ضوء اللغة والعلم ) نجد أنفسنا إزاء عمل فكري لا يسعنا إلا أن نشهد له أنه عمل إبداعي بامتياز، يدل على تمرس صاحبه وقدرته الفكرية الفذّة على استنطاق النصوص التاريخية وتأويلها بطريقة جديدة ربما تبدو ( بل بدت ) للكثيرين على أنها لا عقلانية ولا واقعية.. وبغض النظر عن مدى توافقنا مع أو ضد هذا التأويل الجديد لملحمة كلكامش من قبل ( النيلي ) فإنه في الحقيقة ينم عن قدرة فكرية إبداعية مبتكرة تسجَل لصالح المفكر العربي عموما والعراقي على وجه الخصوص .. ويبدو أن البعض لا يروق لهم أن يُسجَل لصالح المفكر العربي إبداع أو ابتكار في هذا الميدان أو غيره لأسباب مجهولة أو ربما معلومة..
إنّ كتاب ( النيلي ) حول ملحمة كلكامش هو بمثابة رؤيا جديدة وحديثة لموضوع قديم هو قصة كلكامش تلك الملحمة العراقية العظيمة التي خلدها التاريخ من خلال الآثار الطينية البابلية.. وهنا يقوم ( النيلي ) وبكل ما أوتي من إبداع ليُبرهن وبطريقته الخاصة أنّ رحلة البطل كلكامش لم تكن في كوكب الأرض وإنما كانت رحلة فضائية إلى أحد الكواكب الأخرى ضمن المجموعة الشمسية !!.. إنّ الأدلة التي يُقدمها (النيلي) في نظريته غير المسبوقة عن غزو كلكامش للفضاء الخارجي هي أدلة صادمة وتثير الدهشة.. وهذا هو حال الإبداع دائماً، ولا يقلل منه القول الشائع بأن بين الجنون والعبقرية خيطاً رفيعاً.. لكنها أدلة وإثباتات محسوبة ومحكمة دعمتها ثقافة المفكر الراحل الموسوعية وتخصصه المقتدر علمياً..
والمفاجئة الأخرى في كتابه الفريد (ملحمة كلكامش والنص القرآني) أثبت فيه أنّ كلكامش هذا هو نفسه (ذي القرنين) الذي تحدث عنه القرآن الكريم وعن رحلته إلى مغرب الشمس.. لقد هدف (النيلي) في كتابه الجريء إلى البرهنة على عدة نتائج تتعلق بالبحث الآثاري في تاريخ العراق القديم، والتي تخص بشكلٍ أساس بطل الملحمة كلكامش، ومن أهم هذه النتائج  
أولاً: إنّ هذه الشخصية ليست شخصية أسطورية، وإنما شخصية حقيقية أوتيت من المعارف العلمية الدقيقة ما عجزت عنها عقول الناس في تلك الحقبة، وما زال يعجز عن حسم النقاش حول بعضها الآخر العلم الحديث رغم تطوره..
ثانياً: إنّ كلكامش استطاع الانطلاق إلى الفضاء الخارجي مستعملاً السرعة الفائقة بآلات معينة.. وأن كلكامش قد قام برحلة فعلية إلى الفضاء، حيث أنّ الملحمة انطوت على معلوماتٍ عن الفضاء، وطبيعته، والسرعة النسبية، والمغناطيسية الأرضية.. يستحيل معها افتراض أنّ ذلك وقع مصادفةً أو من غير تجارب علمية..
ثالثاً: إثبات وحدة الشخصيتين كلكامش وذي القرنين المذكور في القرآن الكريم من خلال أوجه التشابه بينهما، وهي أوجه كثيرة جداً تناولها المفكر (النيلي) بكل براعة وإتقان..
إنّ إعجابنا بإطروحات ونظريات وأبحاث المفكر العراقي الراحل ( عالم سبيط النيلي ) لا يعني تسليمنا التام والكامل بها بقدر ما هو إشادة بهذا العمل الإبداعي الكبير والجريء الذي يُسجل لصالح مفكر وباحث وضع بصماته واضحة في هذا المجال.. وهذا هو العمل الحقيقي لكل باحث بشكل عام (والأكاديمي على وجه الخصوص) وهو أنه يفضل دائماً إتباع أسلوب الاستكشاف الهادف إلى التقدم أكثر , والإتيان بشيء جديد في مجاله الخاص , واستكشاف وقائع جديدة، وعندما يطيل البحث في مجاله المعرفي فلاشك أنه ينتهي للوصول إلى آراء ونتائج جديدة وحديثة غير مطروقة سابقاً وهذا ما ينطبق مع المفكر الراحل (النيلي). 
بقي أن نذكر أنّ كتاب الراحل ( النيلي ) عن ملحمة كلكامش قد رُفِضَ من قبل الخبير الآثاري في وزارة الثقافة والإعلام في عهد النظام السابق، وكانت حجتهم في هذا الرفض هي مخالفة ما جاء في الكتاب لما أسماء الخبير بالمتفق عليه بين علماء الآثار .. ورغم هذا الرفض والمنع لهذا الكتاب، فقد انتشرت مخطوطة الكتاب الأولية عبر الوسط الثقافي في العراقي، وتلقفها المثقفون بحماس كبير وصارت مَعلماً حوارياً في المنتديات الثقافية والمجالس الفكرية كشأن باقي المؤلفات والكتب التي أنتجتها إبداعات المفكر العراقي الراحل (عالِم سبيط النيلي). 
إنّ الدولة العراقية الحديثة ومن باب الوفاء لأبنائها من العلماء والمفكرين مدعوة لرعاية مؤلفات (النيلي) وطرحها للمناقشة من قبل العلماء والباحثين المختصين سواء على المستوى المحلي أو المستوى الإقليمي أو على مستوى العالم وفي مؤتمرات عالمية، فإذا ثبتت صحة تلك النظريات والأطروحات (للنيلي) فهذا يعني قلب موازين المعرفة الإنسانية رأساً على عقب!!..

النيلي
الباحث عالِم سبيط النيلي

ولا يفوتنا هنا أن نذكر نبذة مختصرة عن الراحل (النيلي) ولو من باب الوفاء له ولبحوثه ونظرياته ((وُلد الراحل عالِم سبيط النيلي في إحدى قرى ناحية النيل بمحافظة بابل في عام 1956 وتلقى علومه الابتدائية وبرز كطالب يمتلك ذكاءً نادراً وفطنة عالية وأكمل دراسته المتوسطة في ثانوية الفيحاء ليتخرج عام 1975 من الأوائل في الامتحان الوزاري وبمعدل 95% .. قبل ضمن بعثة دراسية إلى الاتحاد السوفيتي لدراسة الهندسة الإلكترونية.. عاد إلى العراق ليُعين بدرجة ملازم أول مهندس في المؤسسات العلمية العسكرية.. تزوج من الدكتورة سناء حبيب الخياط وأنجب منها ثلاثة أولاد، وعندما توفيت إثر مرض عضال تزوج مرة أخرى وأنجب طفلان.. توفي المفكر النيلي في أوج عطائه الفكري والعلمي في 18/8/2000 تاركاً جملة من المؤلفات القيمة، وأهمها:

.1 – النظام القرآني.. مقدمة في المنهج اللفظي
.2 اللغة الموحدة.. الجزء الأول نظرية جديدة في علم اللغة
.3 الحل القصدي للغة.. في مواجهة الاعتباطية.. رد على الجرجاني
.4 المدخل إلى نظام المجموعات.. دراسة في تفصيل المجموعات في القرآن الكريم
.5 أصل الخلق وأمر السجود.. بين الأنا وبين الولاية والتوحيد
.6 ملحمة كلكامش والنص القرآني .. قراءة جديدة تكشف عن مرموزات الملحمة وفضائية رحلاتها من خلال وحدة الشخصيتين كلكامش وذي القرنين على ضوء اللغة والعلم
.7 الحل الفلسفي بين محاولات الإنسان ومكائد الشيطان
.8 البحث الأصولي بين الحكم العقلي للإنسان وحكم القرآن
.9 أنوار القرآن الكريم
.10-البحث عن نخبة داخل النخبة
.11 – نصوص أدبية
.12 ترجمة ديوان شعر للشاعر الروسي (بوشكين)
.13- دراسة عن الأبجدية الأولى
.14- الطب القرآني
.15- بين الانغلاق الديني والنشوز الثقافي.))

أضف تعليق