الناقد حيدر الأديب: “البناء والترميز ومستويات اللغة في قصة عوز”.. قراءة في القصة القصيرة جدًا (عوز) للقاص محمد المسلاتي.


عَوَز
قصّة قصيرة جدًا.. بقلم: محمد المسلاتي- ليبيا.
  في طفولتي؛ كلما تسربت قطرات من دموعي إلى شفتي لذعني مذاقها المالح..
وحين تعرفتُ إلى البحر لأول مرة، أذهب إليه خلسةً.. تعاقبني أميّ بالضرب بعد تذوقها مسام جلدي، وهي تقول لي:
 – ها أنت كالعادة؛ لم تقف في مكانك بالسوق لتحصل لنا على ما يجود به العابرون.
تشير إلى أبي العاجز القابع في زاوية الحجرة.. حوله انكفأت زجاجات دواء فارغة.. مع صراخ أشقائي الأربعة، وذباب لا يكف عن الطنين.
  يختفي صوتها عبر نشيج حزنها.. تفرّ من عينيها الذابلتين حبات نديّة صغيرة كالبللور.. تبللني.. عندها تراءى لي عيون أُناس لا أعرفهم يبكون وجعًا في أعماق أمواج يَمٍّ تهدر مياهه بكل هذا الملح.
  (القراءة)
  البناء والترميز ومستويات اللغة في قصة عوز.
  يقول موكاروفسكي معرفا التفعيل على أنه (تصحيف قصدي جماليا للمكونات الأدبية) وهذا التفعيل استوفى شرطه في النص وشرطه هو التحفيز على التفسير والتفعيل المنظم للنص هنا هو (الملح) الذي توزع على ثلاث مستويات للغة رغم القصر في القصة القصيرة جدا الذي هو عنصر بنائي لكن الذي عدد مستويات اللغة هو هذا التفعيل المنظم والمتمظهر بــ (بالملح) ومستويات اللغة هنا هي اللغة البصرية التي مسرحت الأحداث “ها أنت كالعادة؛ لم تقف في مكانك بالسوق لتحصل لنا على ما يجود به العابرون.
  تشير إلى أبي العاجز القابع في زاوية الحجرة.. حوله انكفأت زجاجات دواء فارغة.. مع صراخ أشقائي الأربعة، وذباب لا يكف عن الطنين”.
ومستوى اللغة الشعرية “يختفي صوتها عبر نشيج حزنها.. تفرّ من عينيها الذابلتين حبات نديّة صغيرة كالبللور.. تبللني.. عندها تراءى لي عيون أُناس لا أعرفهم يبكون وجعًا في أعماق أمواج يَمٍّ تهدر مياهه بكل هذا الملح”. والمستوى الثالث هو اللغة القابلة للتنبوء والملقمة بمواعيد مستقبلية للأحداث كما في المطلع “في طفولتي؛ كلما تسربت قطرات من دموعي إلى شفتي لذعني مذاقها المالح..
وحين تعرفتُ إلى البحر لأول مرة، أذهب إليه خلسةً.. تعاقبني أميّ بالضرب بعد تذوقها مسام جلدي”
  إن (الملح) هنا هو بطل القصة وما تبقى هو شخصيات وصيغ وحالات ينفذ الملح فيها قوته الإنجازية رجوعا حتى إلى إزاحة العنوان (الملح = العوز) وبهذا فإنه منطبق على ما يطلق عليه منظرو براغ بالمهيمن والذي هو (المكون الذي يحرك ويوجه علاقات جميع المكونات الأخرى) ونلاحظ أن الترميز هنا يعمل طبقا لما صنفته الباحثة رقية حسن فبعد أن قام الكاتب باستعمال شفرات لغوية لترميز المواقف عمد إلى استعمال هذه المواقف لترميز مجموعات ثيمية تظهرها مجموعات المواقف في مستوى التدليل الالتزامي المسحوب على مشاهد العوز في بقاع الأرض.
وهنا تقبع لعبة المضمر والمعلن.
  ومن أسرار قوة هذا النص تنقله الاستعاري على محاور ثلاث (الدمع/ البحر/ الملح). فالاستعارة هي (أداة تنطوي على التفكير بحقل خبروي بواسطة حقل خبروي آخر) ومن هنا تعمل القصة على حقلين إدراكيين هما الحقل الهدف (المبئر) المتروك للمتلقي (تضمينا ولإيحاء وإشارة) والحقل المصدر.
  إن الملح هنا يمثل الخط البياني لسيرورة التدليل وإعادة بناء الحقيقة ضمن الوجهات الشعورية.

أضف تعليق