رؤية نقدية قدَّمها الناقد: عبد الله الميالي في القصة القصيرة جدًا (عوز) للقاص محمد المسلاتي.


عَوَز
قصّة قصيرة جدًا .. بقلم: محمد المسلاتي- ليبيا  
  في طفولتي؛ كلما تسربت قطرات من دموعي إلى شفتي لذعني مذاقها المالح..
وحين تعرفتُ إلى البحر لأول مرة، أذهب إليه خلسةً.. تعاقبني أميّ بالضرب بعد تذوقها مسام جلدي، وهي تقول لي:
– ها أنت كالعادة؛ لم تقف في مكانك بالسوق لتحصل لنا على مايجود به العابرون.
تشير إلى أبي العاجز القابع في زاوية الحجرة.. حوله انكفأت زجاجات دواء فارغة.. مع صراخ أشقائي الأربعة، وذباب لا يكف عن الطنين.
يختفي صوتها عبر نشيج حزنها.. تفرّ من عينيها الذابلتين حبات نديّة صغيرة كالبللور.. تبللني.. عندها تراءى لي عيون أُناس لا أعرفهم يبكون وجعًا في أعماق أمواج يَمٍّ تهدر مياهه بكل هذا الملح.
(الرؤية النقدية)
  نحن أمام نص مفعم بالرهافة الحسيّة، والمتانة اللغوية، واللقطة التصويرية، التي تتيح للقارئ أنْ يحلق بخياله مع كل كلمة في النص.
  في هذا النص تعانق المعلن مع المضمر في ثنائية تقليدية اعتاد عليها كُتّاب القصة القصيرة جداً، فاقتنص الكاتب ببراعة مشهد سردي مكتمل، عبّر من خلاله رسالته إلى المتلقي.
  أحصيت في النص سبعة فراغات، لم تكن عبثاً بل تركها الكاتب للمتلقي لكي يشتعل التخيّل في ذهنه، حيث تحمل هذه الفراغات دلالات الحذف لمراحل زمكانية مرّ بها بطل النص/ الطفل.
  انتهى النص من حيث ابتدأ بالتركيز على ثنائية (الدموع والملح) وهي ثنائية ترافق الفرد العربي عموماً، مع إيحاء النص في الخاتمة إلى غرق الطفل الذي لم يبح به الكاتب تاركاً لمخيلة القارئ أن يعرف ذلك.
  نعترف أننا أمام نص متميّز اختزل رواية كاملة بعدة أسطر.
تحياتي للكاتب المبدع الأستاذ محمد المسلاتي .. وتقديري واحترامي للأستاذة سعاد العتابي على الدعوة الكريمة.

أضف تعليق