حول أسلوب جديد في السرد.. دراسة نقدية بقلم الناقد: د مختار أمين لـ نص: “أخونك معك” للكاتبة: صابرين الصباغ


حول أسلوب جديد في السرد.. دراسة نقدية بقلم الناقد: د مختار أمين لـ نص: “أخونك معك” للكاتبة: صابرين الصباغ
(النص)
أخونك معك
جلستْ إلى جواري مترددة، أسنانها تأسر لسانها، وحروفها تصرخ حتى تتحرر وإلا انفجرت من صمت سيودي بحياتها.. تحدثت :كان زواج صالونات؛ أعجبت بي والدته، فأتى ليراني… تزوجنا !…أصبحت زوجة لرجل لا أعرفه!… يقيني أن والديّ وافقا على هذه الزيجة؛ ليستريحا مني، بعدما أرهقتهما بحالة الحب التي عشتها، وبرغم يقينهما بأنهما يدفعاني إلى الموت دفعًا.حزينة؛ لأن زوجي حنون، يحبني، ويحترم رغباتي، ولا يجرحني… ليته كان قاسيًا عنيفًا؛ ليمنحني الحق في خيانته أو تركه.سألتها :- ألم ينسكِ حنان وحب زوجك عشقك القديم ؟!- (بلا تفكير) أبدًا، لم ولن يكون قديمًا، بل كلما ابتعدنا كان أكثر قوة وعنفًا، أشعر أن شجرة عشقه المغروسة بقلبي تنمو وتكسوني بظلها وظلالها.حاولت بتره، ونسيانه، لكن هيهات، فالقلب الذي تذوق العشق، وأدمنه، لايمكنه الشفاء منه …كيف أنساه وأنا أعيش مع رجل، إن حرك سحب قلبي أمطرت بعشق الآخر ؟! طعنتني بسؤال، ولم تسحب سيف سؤالها، إلا بعدما تأكدت أنه سينزف إجابة تنتظرها.- هل الحب يموت، أو ينزوي بمكان ما بالقلب، تحركه الذكريات، أو لايعرف موتًا أبدًا؟ مازلت أتألم من طعنة سؤالها.- الحب كالهواء لا نراه، ولا نستطيع العيش دونه، فالحب الحقيقي لا يموت، بل ينزوي بمكان، تحركه من وقت لآخر الذكريات، لكننا قد نوهم أنفسنا أحيانا، بأننا قد نسيناه حتى نجبرها على تحمل غيابه.ابتسمتْ، فقد كان جوابي كقطرة الماء، التي قدمتها لزهرتها قبل ذبولها.. أكملت ُ …- وماذا فعلت ؟…- أرهقتني هذه الحالة، وأقضّتْ مضاجعي، فليس هناك أصعب من أن تعيشي حالتين متنافرتين، أوتقضي العمر، وأنت تحاولين التوفيق بينهما، وتجنب شجارهما داخل غرفة عمرك… قُتلت ألف ألف مرة؛ وأنا أحاول التوفيق بين عشقي القديم، وإخلاصي لزوجي… لكن في رأيكِ هل يتحكم زوجي في جسدي فقط، أو في مشاعري أيضا؟- الحقيقة أسئلتك كلها صعبة، والإجابات أصبحت عبئًا ثقيلًا يحمله عقلي، ويقسم ظهر أفكاري! … لكن الزوج لايتحكم سوى بجسدك، ولايملك التحكم في مشاعرك لسبب بسيط؛ هو أنك لاتستطيعين التحكم فيها، فهى منطقة محظورة، تنفعل، وتحب، وتكره دونما تدخل منا.- نعم ، هذا ما أراه أنا أيضا، ولهذا حافظت على جسدي، وأنت تعلمين أن القلب، لامفتاح له نستطيع استضافة من نريد أو منع من نريد، تركت له ما يملك، أما مالا نملك كلانا، فلم استطع منحه إياه، فكان للآخر الذي لم أره منذ زواجي احتراما له. لن أخفي عليك، كلما استيقظت ذكراه، وتحركت أمواج نبضي، أجدها تقبل شواطيء ذكرياتي معه!… حاولت السباحة عكس تيار عشقه الجارف، حتى أوشكت على الموت من فرط الوهن… لكني دون أن أدري، وأنا بين يدي زوجي استشعر الآخر، وأجده معي!… فأصرخ داخلي: ليتك تسامحني؛ فأنا أخونك معك.

(من مجموعتي “بعض .. هن”)

(القـراءة النقدية)

أدب العنوان:

دائما ما تفاجئنا الكاتبة صابرين الصباغ بثرائها بأردية الأسلوب الكثيرة التي في حوزتها وتعيّر بها مثيلاتها، وكأنها كل يوم تقابلنا برداء أجمل مبهر لافت للنظر ويستحق الدراسة، واليوم تخرج من خزانة إبداعها رداءا جديدا أيضا، وهي تلوّح به من عنوان نصها “أخونك معك” وكأنها تشير علينا إلى نوع من الخيانة منتشر في الأروقة الزوجية، خيانة اللا وعي، خيانة لا تستطيع الذات إدراكها على مستوى الوعي ولكنها تفاجأ بها تطن في اللاوعي، كالأحلام تأخذ صورها من ذكريات الواقع، وتدثرها في آليات اليوم لتبوح بها النفس وقت الحاجة، والحاجة وقت الشعور المرغم المذَل.. تعطي فرصة للنفس أن تشتهي خير مما أرغمت أو أجبرت عليه، فعنوان النص أدب بذاته.. أرقى حُليّ اختارته لرداء اليوم.
إن الأدب في مفهومي قدرة الكاتب على أن يعلم الناس معنى جديدا ليساعدهم على فهم الحياة وفك رموزها.
(خيانة الآخر) أن تتحرّق نفس من شعورها بالخيانة بعلاقتها مع زوجها لأن اللاشعور ممتلئ بآخر غير موجود على مسرح الخيانة.
“أخونك معك” بدأت العنوان بفعل مضارع ـ حدث مقام كل ليلة ـ وكل ساعة، وكل لحظة خيال شارد، ومقارنة مع الآخر بشكل مستمر حتى وهي معه في مضجعه، والاستمرارية في الفعل المضارع تأتي تأكيدية، كأنها تؤكد الخطيئة، وتجهر بها وتئن، عنوان يجهر يؤكد اعتراف.. هنا تتجلى بلاغة الأديب التوظيفية، ليخلق لنا عبارات وجمل في بناء شكلي ووقع موسيقي جميل، يؤكد على المعنى والجوهر والهدف المرجو من الموضوع، عنوان هو بوابة تسحرنا تجعلنا نتهيأ بكامل حفيظتنا لنولج قصر النص المسحور، هذا هو أدب العنوان الموحي السريع لفكرة موضوع النص.. عنوان مدل شارح.

الأسلوب في السرد وفن الكتابة:
بأسلوب جديد وطريقة نسجه.. أقصد سرده، تصوّر الكاتبة الحوار المدار، المقام، المستمر، الدائم، على أنه بطل النص الأول الذي يكوّن عناصره من أدوار مساعدة غير رئيسية من أشخاص تتلوه، في حديث بين الراوية وعابرة ما، وكأن الكاتبة تتعمد عدم إظهار الصلة المقامة بين الراوية ومحدثتها التي تتولى عنها كشف حقيقة الذات في صيغة بناء الماضي (كان زواج صالونات) لتهميش دور الشخصية في النص لأنها تقصد هنا أن الهدف الأول والرئيسي الحوار المدار، ليس مهما أن يأتي على لسان مَن، ولكن المهم كل المهم أن يقال ويكشف عن مخبوئه ومخبوء ذواتنا جميعا، في خيانة أشارت عليها الكاتبة كثيرا ما ترتكب يوميا مع شريك الحياة، وكأن الكاتبة تعطي الأجيال الجديدة من كّتاب القصة القصيرة التى تعنى بالمضمون في إطار أدبي درسا جديدا، تقول صابرين في هذا النص أن الحوار والفكرة هما بطلا هذا النص، وتؤصّل معنىً أدبيًّا جديدًا مفيدًا للمتلقي، بأنها تضع إصبعها على ذنبٍ يرتكب لا نحاسب عليه، ولكنه يؤذي مشاعرنا، ومشاعرنا تجاه مّن نخون، وخز الضمير المستمر الدائم يؤدي لفعل الجريمة لتتحرر الذات من ألم دون ذنب إلى ألم بذنب، فهي مع وقت من الزمن بهذا الوخز والألم تتوق لفعل جريمة منطقية تبرر هذا الألم، وكشف التحليل النفسي على جرائم خيانة حقيقة ارتكبت تحت وطأة اعتلال النفس بألم من حرمان لآخر مجهول، فالمرض قاد النفس المصابة أن تبحث عن المجهول هذا لتريح ذاتها المتألمة؛ فوقعت في براثن الخيانة، وهذه هي روعة النص الأدبي للكاتبة صابرين الصباغ لتلقي أمام المتلقي نفساً تكابد تكشف معها أن معظمنا يكابد ويحاول ستر هذا الألم، فهناك من يقاوم ويستطيع العيش مع الألم ويتكيّف معه، وآخر لا يستطيع ويأخذ صورا في السلوك تؤكد اعتلاله بمرض حقيقي ظاهر.
أسلوب السرد في بداية النص شيّق ممتع، وهنا تستخدم الكاتبة ميزة من ميزاتها، ألا وهي التوحّد، وهنا أقامت التوحّد مع الراوية ومحدثتها، كأنهما يرويان قصة من طرف واحد، وكأن كل منهما تحكي عن حياتها الشخصية، براعة في التكنيك القصصي أن تجعل الراوية تحكي حكايتها في أسئلة مقصودة من محدثتها، وضعتها الكاتبة على لسان الأخرى، وكأنها تقول لها: “حدثيني عني” وقدرتها أن ترسم لنا الجو النفسي للراوية ومحدثتها في إتقان عالٍ، يسبغ على المتلقي أثر الموضوع، والجرح واستطاعت أن تجعله طرفا مشاركا في الحدث المروى كأنه عنه، وبنت ذلك بجملها الأنيقة المبنية بطرازها الخاص الحديث، فنجدها تقول: (جلستْ إلى جواري مترددة، أسنانها تأسر لسانها، وحروفها تصرخ حتى تتحرر وإلا انفجرت من صمت سيودي بحياتها) تقرر عن المتحدثة تقرير مبدع مفيد يساعد على توضيح صورة التوحّد المقصودة في آخر المقطع (وحروفها تصرخ حتى تتحرر وإلا انفجرت من صمت سيودي بحياتها) (- ألم ينسكِ حنان وحب زوجك عشقك القديم ؟!) من أين لها أن تعرف هذا مسبقا، غير صورة من صور تميّزها وهو التوحّد الذي تجيده .

الحوار نحو الهدف والمضمون:
والحوار كان يلعب دورا مؤثرا في ذلك، كان بسيطا مباشرا، أتى معظمه على شكل أسئلة تقسّم بالتساوي على شخصيتي العمل: الراوية ومحدثتها التي تروي الحكاية، بتكنيك جيّد، كأنهما يرقصان رقصة ثنائية موحدة، وهذا التقاسم ساعد في إجادة التكنيك في احكام دور الشخصيتين، كأنهما مكلفتان من الكاتبة لإقامة حوار بعينه للوصول لهدف الفكرة والموضوع.
يذكرني هذا النص مع الفارق في الحداثة يحسب للكاتبة بنص لأرنست همنجواى يحمل اسم “عصفور كناريا لواحد” كان الحوار الطويل المسهب هو البطل ، والقصة بها أشخاص كثر، وكأنهم لا وجود لهم كل يلقى بعبارة من الحوار الذي لابد له أن يكمل هدفه، وفي لحظة التنوير يكشف همنجواى في براعة الهدف من هذا الحوار المسهب، وأيضا بنص لجي دي موباسان بعنوان “ضوء القمر” عندما ترك موباسان بطل العمل الأب “مارينيان” وأخذ يمعن في وصفه والحوار حتى أتي بنهاية فكرية بعد أن انتهى البطل من منولوجه النفسي، وعزم عن الرجوع بعدم قتل بنت أخته، وتركها تعيش قصة حب وهو القس والمسئول عن تربيتها، وهو كان يزعم أنه حارس وحامي قانون الله ليعمّ بين الناس حتى لو أدى إلى قتل المخطئ في حق من حقوق الله.

اللغة كسلاح فيد فارس (الشخصية):
التمكن اللغوي واضح ككاتبة متمرسة، وفي النهاية ولحظة التنوير لابد لها أن تترك أثرها كله في المتلقي، فجاء التعبير على لسان المتحدثة موجع صارخ يشير بالمرض الذي تفاقم، وألمه أصبح خطيرا يوشك على الإنفجار، وتحرر الذات بضرورة اتخاذ موقف (لن أخفي عليك، كلما استيقظت ذكراه، وتحركت أمواج نبضي، أجدها تقبّل شواطيء ذكرياتي معه! … حاولت السباحة عكس تيار عشقه الجارف، حتى أوشكت على الموت من فرط الوهن… لكني دون أن أدري، وأنا بين يدي زوجي أستشعر الآخر، وأجده معي!… فأصرخ داخلي: ليتك تسامحني؛ فأنا أخونك معك.)
لا يسعني غير أن أشكر الكاتبة صابرين الصباغ على متعتي الشخصية، وإن كنت أحسب نفسي ملولا من أغلب النصوص الحديثة التي تملأ الكتب والصحف والمجلات المتخصصة لا تصيبني إلآ بالإحباط.

أضف تعليق