العقد السردية.. الوظائف الذهنية والسيكولوجية.. دراسة نقدية في قصة (عقدة الماضي) للقاص فلاح العيساوي إنموذجاً.. بقلم: فارس عودة


العقد السردية.. الوظائف الذهنية والسيكولوجية.. دراسة نقدية في قصة (عقدة الماضي) للقاص فلاح العيساوي إنموذجاً.. بقلم: فارس عودة
 __________________________________
تكتسب الدراسات التي تهتم بالتقنيات المحشَّدة من قبل الكاتب في لعبته السردية أهمية كبيرة، إذ أن للتقنيات البنيوية للسرد ميزة خاصة، فهي – عادة – ما تتلاعب بالصورة الذهنية للمتلقي فتستلهم النظام المعرفي عنده وتشحذه من أجل استخلاص أو استحداث صور محاولاُ التنبؤ بخاتمة الحدث، ونهاية العمل السردي الذي خَلق عنده – من قَبْلُ – جواً ذهنياً وسيكولوجياً – يفترض أن يكون- في أعلى قيم الانسجام مع السيكولوجية التي تنتجها تعالقات السرد ودينامية وحركية النص وتحولاته.

فالصورة الذهنية – وبحسب معجم العلوم السلوكية – ترتبط بالنظام المعرفي الخاص للفرد، وقد عُرفت (( بأنها نسخة ذهنية تنبع من خبرة ذهنية في غياب التحفيز الحسي))، والإدراك الحسي عند أرسطو هو أساس المعرفة.

لكن الصورة الذهنية لا تقف عند هذا الحدِّ فقد أثبت الباحثون المختصون في مجال نظرية الصورة الذهنية أن للذهن قابلية عالية جداً لخلق وابتكار وتوليد صور جديدة دون أن يكون للمخزون الذهني أي دور فيها.

لذلك فإن التقنيات السردية عندما تؤثر في الصورة الذهنية للمتلقي فإنها في حقيقتها إنما تؤثر في الذهن نفسه، فمرةً تستدعي المخزون المعرفي المكتنز فيه، وأخرى تستحيل محفزاً يحفزه لإنتاج صور جديدة من خلال الانفعالات الذهنية والسيكولوجية؛ منتجة حزمة من التوقعات والتنبؤات لما تؤول إليه تلك اللعبة من حدث خاتم يسدل الستار على مسرحها.

ومن هنا اكتسبت الدراسات التي تستند إلى هيكلية النص أهمية بالغة كونها لا تقتصر على دورها التحليلي أو التأويلي للنص- وإنما تتعداه لتكون عوناً للمتلقي في ممارسته للذة القراءة من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذه الدراسات تسهم في تقويم وتصويب الانفعالات الذهنية وآثارها السيكولوجية المنعكسة عن مكونات اللعبة السردية.

وتعتبر الوحدات السردية (العقد السردية) – التي عرفها (رولان بارت) بأنها ((تتألف من كل مقطع من القصة يقدِّم نفسه كتعبير عن تعالق ما)) – واحدة من أهم أدوات السرد وأشدها تأثيراً في العمل السردي وجودته من ناحية، وفي عملية التلقي، وفي البعد السيكولوجي للمتلقي من ناحية أخرى.

فللدور الوظيفي للوحدات السردية أهمية بالغة في خلق روح السرد، لأنها تمثل عنصر الحياة فيه، بحسب قول رولان بارت: ” إن روح كل وظيفة هي – إذا جاز القول- بذرتها، وهو ما يتيح لها أنْ تبذر في السرد عنصراً سينضج فيما بعد على الصعيد نفسه أو بعيداً على صعيد آخر، فإذا كان فلوبير في ((قلب بسيط)) يخبرنا في وقت من الأوقات – وبدون إلحاح ظاهر- بأن بنات العمدة (بون ليفك) كن يمتلكن ببغاء؛ فلأن هذا الببغاء ستكون له – فيما بعد – أهمية بالغة في حياة فليستي: فلإشارة إلى هذه الجزئية ( أيّا كان الشكل اللغوي) تشكل إذن وظيفة أو وحدة سردية.”.

إذ أن تعالقات الأفعال السردية في تلك الوحدات وتتابع تلك العُقد وترابطها يقابله توالي انفعالات (الذهن المتلقي) ومن ثم يكون لها تمثيل بياني سيكولوجي يوازي ذلك التمثيل البياني لتلك العقد وانفعالات الذهن بها تصاعديا وتنازلياً.

ويمكن إجراء مقارنة بيانية بين العقد السردية والانفعالات الذهنية والسيكولوجية، من خلال الإنموذج السردي الذي بين أيدينا، وهي قصة (عقدة الماضي) للقاص فلاح العيساوي.

يبدأ القاص فلاح العيساوي نصه بفعل سردي يمثل نقطة الانطلاق للوحدة (العقدة) السردية الأولى في النص فيقول:

1- “في غرفة الاستقبال ينتظر وصولها من الخارج…”
فبعد خروج المتلقي من لعبة مدلول العتبة – التي هي بحد ذاتها تفضي إلى عقدة مستقلة – نجد أن السرد بدأ بفعل (الانتظار)، (انتظار البطل لوصول البطلة من خارج غرفة الاستقبال) وهو ما ينطلق – وبسرعة البرق – بتكوين صورة الذهنية بدائية للوضع السيكولوجي الذي عليه البطل فهذا الجزء من النص يشي لنا ينسج لنا صورة يظهر – جلياً – على ملامحها القلق والتوتر والتأزّم.

إن الفعل السيكولوجي الذي يشي به مفتتح النص السردي في قصة (عقدة الماضي) يقابله رد الفعل السيكولوجي من المتلقي، الذي يظهر من خلال الترقب والترصد للحدث الآتي بسبب مجهولية دوافع الانتظار من جهة وللتماهي الشعوري بين الذهن المتلقي وبين الصورة المتخيلة.

ولأجل رسم صورة بيانية بنحو جيد من الدقة أرى أنه عليّ أنْ أضع هنا قيمة رقمية افتراضية لكل فعل سردي وما يقابله من قيمة رقمية لكل (رد فعل) سواء كان ذهنياً أو سيكولوجياً.

وبحسب التقييم الافتراضي لفعل السرد فإن القيمة البيانية التي أفترضها لفعل (الانتظار) في قول القاص “في غرفة الاستقبال ينتظر وصولها من الخارج” هي (1) على المحور الصادي، وتقابله رد الفعل ( الانفعالي الذهني) بنفس الدرجة وعلى نفس المحور الصادي وكذلك بالنسبة لرد الفعل (السيكولوجي).

وليس السبب – في وضعي للقيمة (1) على المحور الصادي، مقابل (فعل السرد) (الانتظار)- هو أن هذه القيمة توازي القيمة المفترضة لزمن القص المتنامية مع تنامي السرد، وإنما هي توازي قوة فعل السرد المتولدة لا من (فعل الانتظار) بما هو هو، وإنما متولدة من تعلقه بوصول البطلة من الخارج، فمجرد (الانتظار) وبحدِّ ذاته يستدعي نحواً معينا من القلق والتوتر، وانتظار بطل القصة لوصول أنثى – لا يعلم القارئ بنوع العلاقة التي بينها وبين المنتظِر – ينبئ بتطور الحدث السردي ويشي بحدث مثير لمستوى أعلى من القلق والتوتر على مستوى الحدث، لذا فإنه لا يمكن وضعه عن القيمة (0) أو دونها، وإنما هو بالفعل يشكل تنامي ولو على مستوى صوري بدائي، لكنه لا يصل إلى قيمة أعلى مما يستحق فهو يمثل الخطوة الأولى نحو التأزم السردي.

2- لكن هذا الفعل السردي لا يقف عند القيمة التي قدرناها بالرقم (1) عندما نصل مع النص إلى قول القاص :

” نار تشتعل في قلبه.. تسربت بسرعة البرق إلى كامل جسده، يعضُّ على نواجذه، ومن تحت الهشيمِ يخرج الغول، وحش لا يعرف الشفقة، الانتقام والتشفي يرضي روحه المخدوعة,… “
فتتجلى صورة ( انتظار البطل لوصول البطلة) التي كانت محط عدة تساؤلات منها:

هل هو انتظار لقاء بعد فراق؟
أم أنه انتظار يمثل فخاً لضحية؟
أم أنه انتظار لتحقق أمر عن مواعدة؟

وليسهم هذا الفعل الجديد في إطلاق العنان لانفعالات قوية تثير قلقل المتلقي عما سيؤول إليه الحدث بعد هذا الانتظار، الذي كان غير بيّن الملامح ، وما سيحصل لو تحقق اللقاء، وهذا القلق يؤدي به – وبحسب استقرائه لشخصية البطل حتى هذه اللحظة من السرد – إلى استثارة استنتاجاته لتوقع الحدث الآتي انطلاقا من التجربة النفسية التي أشار إليها ( ألفريد آدلر) في كتابه ( الطبيعة البشرية) : “إنَّ معرفتنا بهدف الفرد، وبالبيئة المحيطة به في العالم، تمكننا من فهم معنى الطرق التي يعبِّر بها هذا الفرد عن نفسه، وبالاتجاه الذي ستأخذه حياته، وكيف ستعمل كل هذه الأشياء معاً استعداداً لتحقيق الهدف، كما انه يجب علينا أن نعرف الخطوات التي يجب أن يتخذها كل فرد من أجل الوصول لهدفه” .
فلدينا هنا حزمة من الأخبار التي يتضمنها النص حتى هذه اللحظة والتي يقابلها القيمة المقدرة بالأرقام على المحور الصادي، وهي كالآتي:
– ( انتظار البطل لوصول البطلة من خارج الدار)، وكما قلنا -سابقاً – تقابله القيمة (1) على المحور الصادي.

– (نار تشتعل في قلبه)، ترتفع قيمة التأزم لتقابلها القيمة (3) على المحور الصادي.

– و (تسرُّبٌ لتلك النار إلى كامل جسد البطل وبسرعة كسرعة البرق)، تقابله القيمة (5)، على المحور الصادي.

– و (عض على النواجذ)، تقابله القيمة (8)، على المحور الصادي.

– و(غول يخرج من تحت هشيم تلك النار) (صفته أنه لا يعرف الشفقة)، تقابله القيمة (11)، على المحور الصادي.

– و(الرغبة الشديدة في الانتقام والتشفي إرضاءاً لروح البطل المخدوعة)، تقابله القيمة (13)، على المحور الصادي.

لذلك يمكن القول بأننا بسيرنا مع السرد إلى هذه النقطة فإنه سوف ترتفع قيمة التأزم في الحدث السردي من (1) إلى الرقم (13).

3- ثم يمضي القاص العيساوي في السرد بقوله:

“يحدِّث نفسه: تلك البلهاء تتراقص فوق حبال الغباء، تظن أن المكر سيطول، لا تعرف أنني رجل لا يخدع..
– تريث يا رجل.. أنك تظلم حبيبتك، خوفك عليها جعلك كثير الشك”

ونلاحظ هنا أن هذا الجزء من النص لا يتضمن فعلاً سردياً صريحا إلا حديث البطل مع نفسه، وهو يشي بمحاولة القاص للإفصاح – وبزمن قصير قد يكون من آثار شرطية الاختزال في القص القصير- عن دوافع الانتظار وما استتبعه من أفعال تأزُّمية متصاعدة، لذلك فإنه المؤشر البياني لقيمة التأزم في السرد لا يرتقي عما وصل إليه، بل ربما يتراجع قليلاً عند قوله: “تريث يا رجل.. أنك تظلم حبيبتك، خوفك عليها جعلك كثير الشك” لكننا مع بقاء قلق المتلقي عند حدّ الرغبة في الانتقام، لا يمكننا النزول عن القيمة (13) ولا الارتقاء فوقها كما أسلفنا.

4- ثم يقول القاص:

“دخلت تتهادى في مشيتها، تهز جسدها المكتنز كأنها تعزف على أوتار الشكوك، تنظر إليه بابتسامة شفافة تمتص غضب البركان:
– حبيبي آسفه تأخرت في صالون التجميل.”
وعلى الرغم من قول القاص :
“تنظر إليه بابتسامة شفافة تمتص غضب البركان:
– حبيبي آسفه تأخرت في صالون التجميل.”

إلا أن وتيرة التأزم السردي تبدو في ازدياد جديد ومعه تزداد وتيرة الانفعال الذهني والسيكولوجي أيضاً، فالذهن يبدأ باستحضار أو ابتكار عدد من الصور التي تمثل توقعاته لما ستؤول إليه الأحداث.

فهل سيعاتب البطل حبيبته؟
أم أنهما سيتشاجران شجاراً عنيفاً؟
أم أنه سيقتلها؟
هل سيفصح لها عن غضبه وأسبابه؟
أم أنه سيكتم الأمر إلى حين آخر؟

فإذن نسأل هل إن التأزم ستزداد قيمته أم أنه سيبقى على حاله أم سينقص؟
أرى أن السرد لا يتعدى تأسيس القلق والترقب لكن الوهلة الأولى للإفصاح عن دخولها وبتلك الهيئة التي تسير عليها يمكنها رفع قيمة التأزم إلى درجتين أخريين ليصل عند القيمة (15) والسبب في ذلك أن الحالة السيكولوجية – لزوج تتأجج فيه ألسنة نار الغضب – تفرض ازدياد حدة عصبيته تبعاً لتفاعل روح الأنا الأعلى فيه سيكولوجيا، وليس الظهور بهذه البرودة من الأعصاب، فمثل هذا القلق والغضب قد يؤدي إلى هيجان الغيظ، والذي ربما يصحبه الانفجار أو التهور، لذلك فإنه لابد للقلق من نصيب من هذه الناحية، لا على مستوى السرد وإنما على مستوى التلقي، لذلك أعطيته درجتين.

لكننا لاحظنا أن القاص بدأ بالتأسيس لحل العقدة السردية، فكان قوله:

“تنظر إليه بابتسامة شفافة تمتص غضب البركان:
– حبيبي آسفه تأخرت في صالون التجميل.” وهو يمثل بداية الحل، وكان قوله:

“- حبيبتي اشتقت إليك.. حاولي في المرة القادمة أن لا يطول غيابك خارج البيت.
تقدمت خطوات.. جثت أمامه على ركبتيها، أخذت يده تقبلها بحنان, عزفت على قيثارة الوجد, خلال لحظات أشعلت شموع الفرح بمناسبة مرور عام على زواجهما, امرأة تملك زمام المبادرة, يسبح الشوق في أحضانها إلى حد السكون, ينعم بالرضا فيغفو ريح الغضب.”

يمثل الحل للعقدة السردية الأولى في النص.

غير أن ما يؤخذ على القاص هو التباعد بين عقد السرد في النص، أو بين العقدة الأولى والعقدة الثانية، بشكل مفرط، فلو عمد إلى جعل الحل في العقدة الأولى نفسه متضمناً لفعل سردي جديد – يمثل بذرة لعقدة جديدة ويعلن ولادتها – لكان أجمل للسرد وأكثر تشويقاً للمتلقي، فبدلا من قوله :

” – حبيبتي اشتقت إليك.. حاولي في المرة القادمة أن لا يطول غيابك خارج البيت.
تقدمت خطوات.. جثت أمامه على ركبتيها، أخذت يده تقبلها بحنان، عزفت على قيثارة الوجد، خلال لحظات أشعلت شموع الفرح بمناسبة مرور عام على زواجهما، امرأة تملك زمام المبادرة، يسبح الشوق في أحضانها إلى حد السكون، ينعم بالرضا فيغفو ريح الغضب.

وضعت رأسها فوق المخدة، فتحت نافذة الذكريات على الماضي الجميل، قلبها العاشق يقفز طرباً عندما ترى أحمد يسير في الشارع، تلوح له بيدها، يدخل إلى بيته بسرعة، يتسلق سلّم السطح في لحظات يضع يديه في يديها, تتمنى أن يزول ذلك الجدار الذي يحول بينهما، يسمع صوتها يقفز بسرعة، تجد نفسها بين ذراعيه، تتيه في عتمة الحب والظلام الدامس.. تهمس في نفسها: لولا ذلك الجسد الحقير الذي فجّر نفسه بسيارة مفخخة في وسط عمال أجرة البناء لكنت الآن مع حبيبي الأول تحت سقف واحد.. لكن القدر منحني فرصة الحب الثانية، رغم السعادة الدنيا لا تعرف الرحمة، التعاسة رفيقة روحي، جروحي تنزف هموماً، مرارة الماضي تحول دون سعادتي مع زوجي الذي أحبني بصدق, هو يستحق إخلاصي, خسارته فكرة تقض مضجعي.. أنى لي الخلاص من ذلك الرجل الذي حوّل حياتي إلى جحيم.. كم هو جبانا يستغل امرأة).

طول الليل تتقلب في فراشها كأنها سمكة تحاول القفز إلى الماء، بالكاد استطاعت النوم بعد بزوغ الفجر، استيقظت متأخرة، القلق يثقل كاهلها، وجع الذكريات يرافقها حتى بعد أن أصبحت مرفهة”

كان بإمكان القاص أن يخلق عقدة جديدة ترفع من قيمة المؤشر البياني للتأزم بصورة أكبر، وتجعل القارئ أكثر إحساسا بالنص، مضافاً إلى رفع مستوى الاختزال في السرد.

يقول (ألفريد آدلر): ” إن النشاط النفسي ما هو إلا مجموعة معقدة من آليات الدفاع والهجوم غرضها النهائي هو ضمان استمرارية الكائن الحي، وهدفها أن تعطيه القدرة على النمو والتطور والأمان ” ومن هذا المنطلق كان بإمكان القاص أن يجعل قبول البطل لتأسف حبيبته، مشروطاً بعدم خروجها من المنزل مرة أخرى، ليبذر من خلال هذا الشرط بذرة لأزمة جديدة، حيث سنتوقف أمام عقدة جديدة من خلال التبعات السيكولوجية لهذا الشرط على الوضع النفسي للبطلة، لأن هذا الشرط من المؤكد أنه سيثير مخاوفها وقلقها، من عدم قدرتها في إيصال المال إلى (حسام) المبتز لها باستمرار بواسطة صورها مع حبيبها الأول (أحمد) التي يحتفظ بها عنده كورقة ضغط ومساومة.

وهذا القلق من العجز عن إيصال المال إلى المبتز، بدوره سوف يثير مخاوفاً جديدةً في نفسها، وهي مخاوف تتعلق باحتمالية محاولة (حسام) للانتقام منها بإيصال الصور إلى زوجها (ماجد)، وهكذا تكون مخاوفها مخاوفاً للمتلقي نفسه وتأزماً جديداً للحدث ومن ثم تأتي الحلقة السردية الثانية التي تتضمن لقائها بأمِّها وبـ (حسام) المبتز وإعطاءه المال، ثم لتتولد فكرة الانتقام لديها، وفشلها في الانتقام منه في البيت المهجور، ووقوعها تحت سيطرة (حسام)، ومن ثم الحل في الخاتمة بقيام (ماجد) بقتل(حسام) قبل اغتصابها أو قيامه بقتلها انتقاماً منها، ومن ثم عناق زوجها (ماجد) الذي يحيل إلى الانفتاح نحو حياة أفضل وأمتع.

إن هذه الهوّة بين العقد السردية هونتْ من جذوة القلق والترقب عند المتلقي، والتي لو لم تكن لكان الوصول إلى ما قبل الحل وصول إلى أقاصي قمم الانفعال النفسي بمعنى أننا لو افترضنا أن مقدار قيمة الانفعال النفسي – الذي ينتجه النص بوضعه السردي الحالي- تصل عند القيمة (30) على المحور الصادي، فإن المتوقع من مقدار قيمة هذا الانفعال الذي ينتجه النص – بعد إحكام سلسلة العقد السردية وتعالقها بشكل سليم – أن يصل إلى درجة أعلى ربما تصل عند القيمة (50).

إنّ هذا التعالق الوثيق بين البعد السيكولوجي للمتلقي والعقدة السردية يفرض على القاص أن يأخذه بنظر الاعتبار سواء على مستوى السرد القصصي أو على مستوى السرد الروائي.

ومع ذلك فإن هذه الدراسات لا تفرض نسقاً سردياً معيناً تلزم القاص به وتتطرف لقولبة سرده فيه، فله الحق في اختيار الأيديولوجية التي يراها مناسبة في قناعاته وهي من تفرض نفسها على بنية النص. وبرغمه أعتقد أن القاص وفق بدرجة جيدة في توظيف أدواته السردية وأن (عقدة الماضي) تجلّت وبشكل كبير عبر مجريات أحداث النص؛ فكان اختيار القاص للعنوان موفقاً جداً، كما هو كذلك في الخاتمة التي كانت حلاً لعقدة الابتزاز والاغتصاب من قبل (حسام) للبطلة، وكانت – أيضاً- حلاًّ لـ (عقدة الماضي) عنوان النص وهويته وعتبته، لينطلق الحبيبان نحو حياة خالية من العقد ومن التأزمات والقلق، في فضاء رحب من الحب والسعادة، وكان الحلّ – كعنصر رئيسي في الوحدة السردية – في مقام النشوة للذة القراءة ، وهو المتوخى من العمل السردي عموماً.

أضف تعليق