ملحمة كلكامش.. قراءة جديدة (عالِم سبيط النيلي) إنموذجاً بقلم الباحث/ عبدالله عبدالحسين الميالي

ملحمة كلكامش.. قراءة جديدة (عالِم سبيط النيلي) إنموذجاً

بقلم الباحث/ عبدالله عبدالحسين الميالي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست الفكرة التي تشغل بال المفكر شيئاً جاهزاً للتطبيق بقدر ما هي إمكانية للحياة والوجود، أو بالأحرى هي نص يقبل القراءة، أو تجربة يُعاد تشكيلها وصياغتها بتشكيل نص مغاير وخلق واقع مختلف، أو ابتكار ممارسات اجتماعية جديدة.. فأن نفكر فهذا معناه أننا نبدع ونخلق ونبتكر ونخرج من قوقعة الجمود والركود ونستيقظ من السُبات.. والإبداع الفكري يُصوره المفكر العربي المعروف د.محمد عابد الجابري في كتابه (إشكاليات الفكر العربي المعاصر/ ص50) حيث يقول: ((في الحقول المعرفية، كالفن والفلسفة والعلم، فالإبداع لا يعني الخلق من عدم، بل إنشاء شيء جديد انطلاقاً من التعامل نوعاً خاصاً مع شيء أو أشياء قديمة، قد يكون هذا التعامل عبارة عن إعادة تأسيس أو تركيب، وقد يكون نفياً وتجاوزاً، من هنا يمكن القول إن الإبداع في الفن هو: إنتاج نوع جديد من الوجود بواسطة إعادة تركيب أصلية للعناصر الموجودة . أما في الفلسفة، والفكر النظري بصورة عامة، فالإبداع نوع من استئناف النظر، أصيل، في المشاكل المطروحة، لا يقصد حلها حلاً نهائياً – ففي الفلسفة والفكر النظري ليست هناك حلول نهائية – بل من أجل إعادة طرحها طرحاً جديداً يُدشِّن مقالاً جديداً يستجيب للاهتمامات المستجدة أو يحث على الانشغال بمشاغل جديدة، وبعبارة أخرى أن الإبداع في مجال الفكر النظري عامة هو تدشين قراءة جديدة أصيلة لموضوعات قديمة، ولكن متجددة ..))
أسوق هذه المقدمة للوصول إلى موضوعنا عن المفكر العراقي الراحل ( عالِم سبيط النيلي ) الذي يُعتبر من المفكرين المظلومين إعلامياً (محلياً وعربياً وعالمياً) رغم مؤلفاته الفكرية التي يمكن أن يُقال عنها أنها من العيار الثقيل والتي تحمل بصمات التجديد ( ولكن للأسف التجديد دائماً مُحارب من قبل أهل الجمود والتقوقع !! ).. فحين نقرأ كتابه (ملحمة كلكامش والنص القرآني .. قراءة جديدة تكشف عن مرموزات الملحمة وفضائية رحلاتها من خلال وحدة الشخصيتين كلكامش وذي القرنين على ضوء اللغة والعلم ) نجد أنفسنا إزاء عمل فكري لا يسعنا إلا أن نشهد له أنه عمل إبداعي بامتياز، يدل على تمرس صاحبه وقدرته الفكرية الفذّة على استنطاق النصوص التاريخية وتأويلها بطريقة جديدة ربما تبدو ( بل بدت ) للكثيرين على أنها لا عقلانية ولا واقعية.. وبغض النظر عن مدى توافقنا مع أو ضد هذا التأويل الجديد لملحمة كلكامش من قبل ( النيلي ) فإنه في الحقيقة ينم عن قدرة فكرية إبداعية مبتكرة تسجَل لصالح المفكر العربي عموما والعراقي على وجه الخصوص .. ويبدو أن البعض لا يروق لهم أن يُسجَل لصالح المفكر العربي إبداع أو ابتكار في هذا الميدان أو غيره لأسباب مجهولة أو ربما معلومة..
إنّ كتاب ( النيلي ) حول ملحمة كلكامش هو بمثابة رؤيا جديدة وحديثة لموضوع قديم هو قصة كلكامش تلك الملحمة العراقية العظيمة التي خلدها التاريخ من خلال الآثار الطينية البابلية.. وهنا يقوم ( النيلي ) وبكل ما أوتي من إبداع ليُبرهن وبطريقته الخاصة أنّ رحلة البطل كلكامش لم تكن في كوكب الأرض وإنما كانت رحلة فضائية إلى أحد الكواكب الأخرى ضمن المجموعة الشمسية !!.. إنّ الأدلة التي يُقدمها (النيلي) في نظريته غير المسبوقة عن غزو كلكامش للفضاء الخارجي هي أدلة صادمة وتثير الدهشة.. وهذا هو حال الإبداع دائماً، ولا يقلل منه القول الشائع بأن بين الجنون والعبقرية خيطاً رفيعاً.. لكنها أدلة وإثباتات محسوبة ومحكمة دعمتها ثقافة المفكر الراحل الموسوعية وتخصصه المقتدر علمياً..
والمفاجئة الأخرى في كتابه الفريد (ملحمة كلكامش والنص القرآني) أثبت فيه أنّ كلكامش هذا هو نفسه (ذي القرنين) الذي تحدث عنه القرآن الكريم وعن رحلته إلى مغرب الشمس.. لقد هدف (النيلي) في كتابه الجريء إلى البرهنة على عدة نتائج تتعلق بالبحث الآثاري في تاريخ العراق القديم، والتي تخص بشكلٍ أساس بطل الملحمة كلكامش، ومن أهم هذه النتائج  
أولاً: إنّ هذه الشخصية ليست شخصية أسطورية، وإنما شخصية حقيقية أوتيت من المعارف العلمية الدقيقة ما عجزت عنها عقول الناس في تلك الحقبة، وما زال يعجز عن حسم النقاش حول بعضها الآخر العلم الحديث رغم تطوره..
ثانياً: إنّ كلكامش استطاع الانطلاق إلى الفضاء الخارجي مستعملاً السرعة الفائقة بآلات معينة.. وأن كلكامش قد قام برحلة فعلية إلى الفضاء، حيث أنّ الملحمة انطوت على معلوماتٍ عن الفضاء، وطبيعته، والسرعة النسبية، والمغناطيسية الأرضية.. يستحيل معها افتراض أنّ ذلك وقع مصادفةً أو من غير تجارب علمية..
ثالثاً: إثبات وحدة الشخصيتين كلكامش وذي القرنين المذكور في القرآن الكريم من خلال أوجه التشابه بينهما، وهي أوجه كثيرة جداً تناولها المفكر (النيلي) بكل براعة وإتقان..
إنّ إعجابنا بإطروحات ونظريات وأبحاث المفكر العراقي الراحل ( عالم سبيط النيلي ) لا يعني تسليمنا التام والكامل بها بقدر ما هو إشادة بهذا العمل الإبداعي الكبير والجريء الذي يُسجل لصالح مفكر وباحث وضع بصماته واضحة في هذا المجال.. وهذا هو العمل الحقيقي لكل باحث بشكل عام (والأكاديمي على وجه الخصوص) وهو أنه يفضل دائماً إتباع أسلوب الاستكشاف الهادف إلى التقدم أكثر , والإتيان بشيء جديد في مجاله الخاص , واستكشاف وقائع جديدة، وعندما يطيل البحث في مجاله المعرفي فلاشك أنه ينتهي للوصول إلى آراء ونتائج جديدة وحديثة غير مطروقة سابقاً وهذا ما ينطبق مع المفكر الراحل (النيلي). 
بقي أن نذكر أنّ كتاب الراحل ( النيلي ) عن ملحمة كلكامش قد رُفِضَ من قبل الخبير الآثاري في وزارة الثقافة والإعلام في عهد النظام السابق، وكانت حجتهم في هذا الرفض هي مخالفة ما جاء في الكتاب لما أسماء الخبير بالمتفق عليه بين علماء الآثار .. ورغم هذا الرفض والمنع لهذا الكتاب، فقد انتشرت مخطوطة الكتاب الأولية عبر الوسط الثقافي في العراقي، وتلقفها المثقفون بحماس كبير وصارت مَعلماً حوارياً في المنتديات الثقافية والمجالس الفكرية كشأن باقي المؤلفات والكتب التي أنتجتها إبداعات المفكر العراقي الراحل (عالِم سبيط النيلي). 
إنّ الدولة العراقية الحديثة ومن باب الوفاء لأبنائها من العلماء والمفكرين مدعوة لرعاية مؤلفات (النيلي) وطرحها للمناقشة من قبل العلماء والباحثين المختصين سواء على المستوى المحلي أو المستوى الإقليمي أو على مستوى العالم وفي مؤتمرات عالمية، فإذا ثبتت صحة تلك النظريات والأطروحات (للنيلي) فهذا يعني قلب موازين المعرفة الإنسانية رأساً على عقب!!..

النيلي
الباحث عالِم سبيط النيلي

ولا يفوتنا هنا أن نذكر نبذة مختصرة عن الراحل (النيلي) ولو من باب الوفاء له ولبحوثه ونظرياته ((وُلد الراحل عالِم سبيط النيلي في إحدى قرى ناحية النيل بمحافظة بابل في عام 1956 وتلقى علومه الابتدائية وبرز كطالب يمتلك ذكاءً نادراً وفطنة عالية وأكمل دراسته المتوسطة في ثانوية الفيحاء ليتخرج عام 1975 من الأوائل في الامتحان الوزاري وبمعدل 95% .. قبل ضمن بعثة دراسية إلى الاتحاد السوفيتي لدراسة الهندسة الإلكترونية.. عاد إلى العراق ليُعين بدرجة ملازم أول مهندس في المؤسسات العلمية العسكرية.. تزوج من الدكتورة سناء حبيب الخياط وأنجب منها ثلاثة أولاد، وعندما توفيت إثر مرض عضال تزوج مرة أخرى وأنجب طفلان.. توفي المفكر النيلي في أوج عطائه الفكري والعلمي في 18/8/2000 تاركاً جملة من المؤلفات القيمة، وأهمها:

.1 – النظام القرآني.. مقدمة في المنهج اللفظي
.2 اللغة الموحدة.. الجزء الأول نظرية جديدة في علم اللغة
.3 الحل القصدي للغة.. في مواجهة الاعتباطية.. رد على الجرجاني
.4 المدخل إلى نظام المجموعات.. دراسة في تفصيل المجموعات في القرآن الكريم
.5 أصل الخلق وأمر السجود.. بين الأنا وبين الولاية والتوحيد
.6 ملحمة كلكامش والنص القرآني .. قراءة جديدة تكشف عن مرموزات الملحمة وفضائية رحلاتها من خلال وحدة الشخصيتين كلكامش وذي القرنين على ضوء اللغة والعلم
.7 الحل الفلسفي بين محاولات الإنسان ومكائد الشيطان
.8 البحث الأصولي بين الحكم العقلي للإنسان وحكم القرآن
.9 أنوار القرآن الكريم
.10-البحث عن نخبة داخل النخبة
.11 – نصوص أدبية
.12 ترجمة ديوان شعر للشاعر الروسي (بوشكين)
.13- دراسة عن الأبجدية الأولى
.14- الطب القرآني
.15- بين الانغلاق الديني والنشوز الثقافي.))

الأسلوب والنظم في مرآة المقارنية الأدبية بقلم د. يسري عبد الغني عبد الله (باحث وخبير في التراث الثقافي)

الأسلوب والنظم في مرآة المقارنية الأدبية
بقلم د. يسري عبد الغني عبد الله (باحث وخبير في التراث الثقافي)

_________________________________________
عن الأسلوب واللغة:
بداية نحب أن نؤكد على أنه من الضروري في دراسة الأدب المقارن أن نجعل التأثر والتأثير أهم محاوره واتجاهاته، إذ لا يكفي مع اتساع دائرة النشر ووسائل الإعلام والاتصالات الوقوف عند ظاهرة أوجه الاتفاق أو الاختلاف، إذ أنها غير محددة الأبعاد، وتبدو غير ذات جدوى إلا في مجال تاريخ الآداب العالمية.
نعود فنقول: إنه من المعروف لنا أن الأفكار حظ يشترك فيها جميع الناس، و كما يقول الجاحظ فإن: (المعاني مطروحة في الطريق يعرفها البدوي والحضري)، ولكن التعبير الشخصي الذي تصاغ به الأفكار هو الذي يختلف من أديب إلى آخر.
والأسلوب مرتبط باللغة، وهو لذلك يحتفظ بطابع شخصي لا ينفصل عن روح الأمة التي تعبر بلغتها عن روحها، ومع ما يبدو من أصالة الكاتب الشخصية، فإن أسلوبه يختلف باختلاف تيارات المؤثرات الأجنبية فيه.
وغني عن البيان أن الأسلوب الأدبي أسرع العناصر إلى التنقل أو التناقل، فالكتاب قسمان: كتاب على بداية الطريق، وكتاب كبار وضعوا أقدامهم بالفعل على الطريق، وتمكنوا التمكن التام من أدواتهم الإبداعية والفنية.
فالكتاب المبتدئون في تقليدهم قد يبلغون حد النقل الحرفي أو النسخ من كتابات الكتاب الكبار المعروفون.
أما الكتاب أصحاب الإبداع المتميز فإنهم لا ينساقون إلى تيار التقليد حتى يعودوا إلى أنفسهم، فيستردون أصالتهم، وكلما زاد شعور المبدع المتميز بأصالته وتميزه، كلما طرح جانباً بعض عناصر الأسلوب المقلد، وبدل في بعضها الآخر من عندياته حتى يتمثله حق تمثيل، وحتى يهضمه الهضم السليم.
ويمكن لنا القول على الإجمال: إن أسلوب الكتابة يتألف من عناصر ثلاثة: الإبداع الشخصي، والتقليد القومي، والمؤثرات الوافدة أو الأجنبية، التي تبدو قوية أحياناً، وضعيفة أحياناً أخرى.
وقد يحدث تأثير كاتب بأخر في المواقف التي تتصل بالفكرة والموضوع، كما قد يحدث التأثير في الأساليب والصور البيانية والخيالية، ومع هذا التأثر تبدو للكاتب المتميز أصالته، ويبدو طابعه الخاص الذي يعرف به.
ومن أمثلة التأثر: الرومان أعجبوا بالكاتب المسرحي اليوناني/ أرستو فانيس، وقلدوا مسرحياته.
وهذا هو الناقد والمعلم والخطيب/ كانتليانس الروماني، يمتدح مؤلفاته، ويؤكد على ضرورة الرجوع إليها، ويفرض تلاوتها على تلاميذ المدارس ليفيد من نقاء أسلوبها ورشاقته، ويقفوا على قوة تركيبها، وتدفق حوارها، وبخاصة في الأجزاء الخطابية منها.
وهو يعتبر هوميروس وأرستو فانيس نموذجين ممتازين لتعلم الأدب والخطابة، أما الخطيب/ ششرون الروماني فقد اعترف لهذا الشاعر المسرحي مؤسس الملهاة ببراعة النكتة، وتوقد القريحة، وطلب من الكتاب الأخذ منه.
كما كان تأثير أرستو فانيس أشد وضوحاً في عصر النهضة الأوربية، حين اهتم أدباء إيطاليا بنشر أشعاره وترجمتها، تبعهم في ذلك شعراء فرنسا وكتابها، الذين ذهب بعضهم إلى تقليد أرستو فانيس في أسلوبه وسخريته اللاذعة، ومنهم من تقمص روحه، وحاكى طريقته في النقد الاجتماعي والسياسي، ومنهجه في التصوير، ويعتبر (رابنيه) زعيماً لهذا الفريق من الأدباء، ثم جاء راسين وموليير واقتفيا أثر أرستو فانيس اليوناني في مطالع حياتهما .
كما قلده في انجلترا (بن جونسون) وغيره من شعراء المسرح الإنجليزي، ولما بدأ القرن التاسع عشر الميلادي ونشطت الحركة الرومانسية، حاز أرستو فانيس اليوناني إعجاب كثير من الكتاب مثل: بروننج، وسورنبرن، فتعددت ترجماته، وراجت مسرحياته، وأخرجت في العديد من المسارح الإنجليزية والفرنسية والأمريكية.
كما أعدت مسرحياته للإذاعة في مختلف بلاد الدنيا، وأذكر هنا أن البرنامج الثاني (البرنانج الثقافي الآن ) في الإذاعة المصرية، قدم بعض مسرحيات أرستو فانيس الكوميدية مثل: الضفادع، والسحب، والسلام، بترجمة محمد صقر خفاجة، التي نشرها ضمن سلسلة مشروع الألف كتاب الأولى بمصر ، وقد لاقت إعجاباً كبيراً من المثقفين العرب في تلك الآونة.
وقد تأثر العديد من الكتاب العرب بأفكار مسرحيات أرستو فانيس، فعالجوها في كثير من القصص والمسرحيات والمسلسلات، كما اقتبسوها في بعض الأفلام السينمائية.
ومثال أخر على ذلك: شعراء جماعة أبوللو الرومانسية العربية، وكذلك شعراء المهجر الشمالي العرب، هؤلاء تأثروا بشكل كبير بالشعراء الرومانسيين والرمزيين الغربيين في: تشبيهاتهم، ودلالات ألفاظهم، وتجسيد معانيهم، ورغم ذلك ظلت لهم شخصيتهم الأصيلة العربية الشرقية التي تميزوا بها.
ونذكر كذلك: خليل مطران الذي ينسب إليه بعض الباحثين ريادة الشعر الرومانسي العربي، مطران تأثر بالشعر الفرنسي الرومانسي في مضمونه وبعض صوره، وفي التزامه بالوحدة العضوية، وذلك أثناء هروبه من لبنان إلى فرنسا إثر الاضطهاد التركي .
وأيضاً : جماعة الديوان (العقاد و شكري و المازني) تأثروا إلى حد كبير في شعرهم ونقدهم بالرومانسيين الإنجليز.
وشعراء الواقعية الجديدة أو مدرسة الشعر الحر، تأثرت بأشعار وكتابات ت.س . إليوت، الإنجليزي الأمريكي، بالإضافة إلى الشعر الغربي الحديث بوجه عام، وكذلك الشعر الروسي 
وكتاب القصة القصيرة من العرب، لا يمكن أن ينكروا أثر الروسيين: جوجول وتشيكوف، والأمريكي/ إدجار ألن بو ، عليهم بشكل أو بأخر.
والكاتب القصصي/ محمود تيمور تأثر بشكل كبير بأعمال الفرنسي/ موباسان، ولذلك أطلق عليه (موباسان الشرق).
ونجيب محفوظ في كتابته لرواية الأجيال تأثر بالكاتب / بلزاك ، وقد صرح بذلك أكثر من مرة.
ويقال: أن الشاعر المهجري / جبران خليل جبران ( 1883 م ـ 1931 م)، تعرف على الشاعر / بليك، وعالمه الشعري، وقد صرح بذلك في أكثر من موضع، بل أنه كان يعتز بأن يشبهه الناس ببليك، ويكفي أن الناقد والأديب / رودين وصف جبران بأنه (بليك القرن العشرين)، ورغم هذا التأثر فأننا نؤكد على أن جبران رغم حياته التي قضاها في الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم كتاباته العديدة باللغة الإنجليزية، بما فيها كتابه المثير (النبي) إلا أنه لا يعد شاعراً أمريكياً، ولم يعده مؤرخو الأدب الأمريكيين كذلك، وإنما هو شاعر وكاتب عربي لبناني مهاجر إلى أمريكا ، ولكنه حقق شهرة عالمية وصلت إلى حد يفوق شهرة بعض الكتاب العالميين .
نقول: نحن نعرف جيداً أن جبران متأثر بدرجة كبيرة ببليك الإنسان والشاعر والرسام، وقد وضح نفوذه الكبير على إبداعات جبران الشعرية والنثرية والفنية، إذن: تعرف جبران على أعمال بليك حقيقة مؤكدة، أشار لها في خطاباته لصديقة عمره/ ماري هاسيكيل التي نشرت سنة 1972 م، والتي كانت محفوظة في جامعة نورث كارولينا، وفي عدد من مقالاته.
وتشير إلى فكرة النبوءة والأدب عند جبران، التي ربما تكون قد جاءته من بليك، حيث نجد أن جبران يجعل الشاعر في مرتبة النبي.
ويقول البعض: إن الدكتور / طه حسين قد سبق واقتبس اسم حيث الأربعاء من اسم مؤلف ضخم للكاتب الفرنسي/ سانت بيف هو (حديث الأثنين)، وكما اقتبس هو هذا العنوان من سانت بيف، فقد اقتبس منه الكاتب الزنجي الماريتنكي/ فرانس فانون اسم (المعذبون في الأرض).
وردنا على هذا الرأي: إن ذلك حكم لا يسهل الأخذ به قبل أن نتأكد تماماً من أن كتاب طه حسين قد ترجم إلى اللغة الفرنسية، ونتأكد أن فانون قد اطلع عليه، هذا فضلاً عن أن اسم كتاب فرانس فانون هو (الملعونون في الأرض)!!
كما يقولون: إنه مما لا شك فيه أن الدكتور/ طه حسين تأثر أسلوبياً بالأسلوب الفرنسي بوجه خاص، وبالأسلوب الغربي بوجه عام، ويكفي أن نقارن بين أسلوب كتابته في فترة العشرينات من القرن العشرين ، بأسلوب التأليف في عصره ، الذي كان يحتوي على الكثير من المحسنات البديعية ، وصيغ البناء التي بها الكثير من الحشو والتطويل.
وفي رأينا: أن نظرة واحدة على أسلوب الدكتور/ طه حسين من خلال سيرته الذاتية (الأيام) نلمح وعلى الفور هذا الأسلوب السلس ، الرائق، الشائق، وكذلك التراكيب الشعرية التي تغلف جمله والمستخدمة للمفردات ذات الدلالات الخاصة، مما يجعلنا نقول  إن طه حسين بأسلوبه المتفرد، ليس في حاجة الباتة إلى أن ينقل من أساليب الفرنسيين أو غيرهم من الأوربيين .
ونحن لا نشك في أن طه حسين قد تأثر بكتاب فرنسا، مثل: ديدرو، وفولتير، وروسو، سانت بيف، وغيرهم، ولكن هذا لا يجعله على الإطلاق يصل إلى مرحلة نقل بعض فقرات كاملة، وأمثال، وكلمات مأثورة فرنسية طرقها الكتاب الفرنسيون من قبله.
وهنا نحب أن نشير إلى الدراسة القيمة التي قام بها الدكتور/ كمال قلته في هذا المضمار حول أثر الأدب الفرنسي على طه حسين.
ويؤكد عدد من الباحثين أن الشاعر المصري/ صلاح عبد الصبور تأثر في أسلوبه، وفي مضمون أشعاره بكل من: فاريكو جاراسيا لوركا الأسباني، وبابلو نيرودا الشيلي، وإيفتوشنكو الروسي، وولت ويتمان الأمريكي، وت. س . إليوت الإنجليزي/ الأمريكي، وهو أكثر الشعراء تأثيراً في شعره، وفي شعر مدرسة الشعر الحر أو الواقعية الجديدة، وقد أشار عبد الصبور إليه في عدة دراسات ومقالات له.
ويمكن أن نضيف إلى الذين تأثر بهم صلاح عبد الصبور من الشرق، شاعر تركيا الكبير/ ناظم حكمت (1902 م ـ 1963 م، الذي كان له أكبر الأثر في الحياة الأدبية في تركيا، وأول من تحرر من قيود الشعر العامودي التقليدي، وأول من تزعم حركة الشعر الجديد في تركيا ، وقد تأثر به كثير من الشعراء العرب في العصر الحديث.
كما قرأ عبد الصبور بودلير الفرنسي، وبوشكين الروسي، وبرخت الألماني، وفي المسرح تأثر بشكسبير، وبرخت، وسارتر، ويوجين أونيل، وأونسكو، وإبسن، ولوركا، وإليوت، وميللر، وجون أوسبورن.. وغيرهم.
ونحن لا ننكر عملية التأثر والتأثير وهذا أمر واقعي ومشروع، وما ذكرناه من أمثلة تتعلق بالأدب العربي الحديث، لا تعني بالمرة بعد من ذكرناهم عن الأصالة، وعن الطابع المميز لكل منهم، حيث ظلت لهم شخصيتهم العربية الشرقية المتميزة.
ويبدو التأثر واضحاً في شعر (التروبادور) الذين أخذوا صور الأسلوب شكلاً ومضموناً من الشعراء العرب في بلاد الأندلس.
والشاعر الإيطالي/ بترارك تأثر بلغة الغزل التروبادورية ، فشاع أسلوبه هذا بين أدباء وكتاب: إيطاليا، وأسبانيا، وفرنسا، وانجلترا، وألمانيا، حتى رأينا الشعر الغزلي أو الغنائي أو الدرامي في الفترة الممتدة من القرن السادس عشر الميلادي إلى عصر ظهور الرومانسية الأوربية، رأيناه يفيض كله بألفاظ النيران، واللهب، والحديد، والقيود، والسجون، والشهداء .. الخ ..
وفي مسرحيات الرعاة في الأدب الفرنسي، وقصصهم، تأثرت في كثير منها بالتشبيهات والاستعارات بهذا النوع من الأدب الإيطالي فأخذوا يعبرون عن حبهم وعاطفتهم بألفاظ من المرعى والحقل ، وعديد من المفردات المتصلة بحياة الرعاة.
ومن تأثيرات الأدب الفرنسي في الأدب العربي الحديث، ما نلاحظه في عبارة قالها طه حسين في مناقشته لمصطفى صادق الرافعي، فقد وصف طه حسين الرافعي بأنه في إخراج مؤلفاته يعاني من آلام الوضع !!
والواقع أن طه حسين كان يعني رمي الرافعي بالتكلف في التأليف، وهذه العبارة مألوفة في الأدب الفرنسي، لكنها لا تؤدي المعنى الذي أراده طه حسين.
فقد وصف فولتير نفسه بهذه العبارة، ولكنه كان يريد أن يعبر عن الجهد الذي يبذله، ويعانيه في إحكام أسلوبه وصياغته.
ونحن إذا أقصينا جانباً مسرحيات توفيق الحكيم المتعاملة مع التراث اليوناني القديم، مثل: أوديب ، وبراكس، وبجماليون، وعكفنا على كتاباته ومسرحياته الأخرى، لأمكننا الكشف عن آثار الأدب الفرنسي بوضوح، في موضوعات مسرحه، وطرائق المعالجة ومناهجه، ووسائلها، بل قد يتسرب في بعض الأحيان التأثير على اللغة والأسلوب والحوارات، وغيرها من عناصر تكوينات البنية الفنية عند الحكيم .
ومن يراجع مسرحية (مصرع كليوباترا ) لأحمد شوقي، يلمح فيها تأثيرات في الصور مستمدة من مصادر فرنسية وإنجليزية، ويلحظ تأثر شوقي الكبير بمسرحية شكسبير، وبالتحديد في آخر الفصل الثاني من مسرحية شوقي، بل إنه ينقل نفس كلام شكسبير في المنظرين السادس والسابع من مسرحيته.
ومنظر الوليمة يشغل معظم الفصل الثاني من مسرحية شوقي، وهو متأثر بشكسبير فيما يسوده من طابع المرح، ومن الشراب والرقص، وللمنظر بالطبع أصل تاريخي يعرفه كل من شكسبير وشوقي اللذان كانا لهما معرفة ودراية بما يدور في القصور الملكية.
وتبادل الأدب العربي والفارسي عملية التأثر والتأثير في مجال الأسلوب، فحين انتقلت المقامات والرسائل والقصائد الغنائية من العربية إلى الفارسية، نقلت صور الأسلوب معها إلى درجة التقليد الذي قد يفقد العمل الأدبي أصالته.
وفي الرسائل الديوانية والإخوانية أثرت العربية في الفارسية من نواحي الأسلوب تأثيراً واضحاً، كما يبدو ذلك من الرسائل التي جمعها وألفها الكاتب  بهاء الدين محمد بن مؤيد البغدادي  الذي توفي حوالي أواخر القرن السادس الهجري، في كتابه المسمى (التوسل إلى الترسل).
وفي الواقع أن العرب تأثروا بشكل كبير بالرسائل الديوانية الفارسية، حيث أن هذا النوع من الرسائل، لم يكن للعرب معرفة به، ولعل دور عبد الحميد بن يحيى الكاتب (وهو فارسي الأصل ) في نهاية العصر الأموي، وارتقائه بأسلوب الكتابة الديوانية، من الأمور التي يقررها ويعترف بها تاريخ الأدب العربي.
ونرى أن بعض شعراء العربية في العصر الحديث تأثروا باللغة الفارسية، كما يبدو في مسرحية (مصرع كليوباترا) لشوقي ، فهو يقول عن اختفاء أنطونيو في الإسكندرية ، وعزمه على ألا يظهر في قصره قبل انتقامه والثأر لهزيمته في موقعة اكتيوم البحرية ، فقد عبر عن إخفاء شيء لابد من ظهوره بإخفاء الهشيم في النار، وهي صورة مقتبسة من الفارسية، وقد عرفها شوقي لانتقالها إلى الأدب التركي، الذي كان شوقي على علم كبير به.
وبهذا أتضح لنا كيف تجري عملية التأثر والتأثير في الأسلوب الأدبي بين الآداب المتعددة ، وهذا يقتضي الدراسة على المنوال المقارني في الأدب .
وقد جرت دراسات في هذا الصدد، وإن كان الواجب أن تدرس التأثيرات العالمية، فهناك دراسات مختلفة عن فن الأقوال والتعبيرات في انجلترا، وعن الفكاهة أو السخرية أو التظرف في الأسلوب، كما جرت دراسات أيضاً في الأدب الألماني والفرنسي على هذا النمط، إلا أنه لا يزال هناك مجال عظيم مفتوح للدراسة في هذا الباب.
نقول: نحن لا زلنا في احتياج إلى دراسات منهجية صحيحة دقيقة لأساليب معظم كبار الكتاب، فإن ذلك يوقفنا على المؤثرات الأجنبية التي تأثروا بها في أسلوبهم، لنعرف تأثيرها في التعبير بل في الفن نفسه، وليس هناك أي مبرر للخوف من مثل هذه الدراسات  فالأدب أخذ وعطاء، تأثير وتأثر، وهذه أبرز سمة للإبداع الإنساني في مختلف العصور .
ثانيًا ـ النظم:
مما لا شك فيه أن الاختلاف في الأوزان الشعرية، أو في بحر من بحور الشعر ، له أثره في اختلاف إمكانيات التعبير ، فهو أحياناً يجعل الشاعر يميل إلى الإيجاز والاختصار، أو يجعله أقرب إلى الإطناب أو الاستطراد.
وبعض الأوزان تنفخ في القصيدة الشعرية نار العاطفة، وتجعلها أقرب إلى القلوب، وأنفذ في النفوس والمشاعر والأحاسيس.
والعلاقة بين القالب العروضي والفكر من أهم العلاقات في الأدب، وهناك أسرار وخصائص أدبية وراء اختيار هذه القوالب الموسيقية ، تفهم من النماذج الشعرية التي حكاها الشاعر أو اقتبسها.
ومسألة اقتباس الأوزان الأجنبية أو إحداث تغيرات فيها قد تسهل في بعض أنواع النظم الشعري ، وقد تستعصي في بعضها الآخر، ولا سيما أن لكل لغة خصائصها الذاتية.
وفي اللغات الأوربية أوزان لها حظ مشترك بين كافة الأمم الأوربية، وبعض هذه الأوزان والقوالب العروضية انتقل فيها من لغة إلى أخرى بناء على استهوائه للشعراء .
ومثال على ذلك (السوناتا) التي انتقلت بعد دانتي وبتررارك من إيطاليا إلى أسبانيا وفرنسا وانجلترا، ثم انتشرت في كافة أرجاء أوربا .
ومن القوالب العروضية التي انتقلت من أمة إلى أخرى القافية الثلاثية أو المقطع الثلاثي، وهو بحر الملهاة أو الكوميديا الإلهية التي كتبها دانتي الإيطالي، وقد استعمله في الفرنسية بعد انحصار التيار الرومانسي الأوربي، استعمله بعض الشعراء الأوربيين وتوسعوا فيه، ويمتاز هذا الوزن بشيء من القوة في رتابته، وهو يصلح للقصص الأسطوري.
ومن ذلك أيضاً نظام الأبيات الرباعية المؤلفة من مقاطع ثماني، وقد استعمل في القرن التاسع عشر للتعبير عن التفكير العاطفي الشجي أو الحزين بوجه خاص ، وعن إخفاء أسرار النفس الإنسانية .
وهناك المقطوعة الشعرية المؤلفة من أربعة أبيات طويلة متساوية ، أو شبه متساوية ، نظم عليها كل من: لامرتين ، وفكتور هوجو، وجرا، العديد من قصائدهم ، وهي تصلح لشعر الرثاء الحديث بنعومته ورقته وكأبته.
ويؤكد الباحثون بتأثير هذه الأوزان الأوربية في شعرنا العربي الحديث، وبالذات في جماعة أبوللو الشعرية ، وفي شعراء المهاجر.
ويسلم الباحثون بتأثير الأوزان والقوافي الشعرية العربية في الشعر الفارسي، وأن الفرس نقلوا أوزان الشعر العربي إليهم ، كما انتقلت إلى الأشعار الفارسية القافية الموحدة وفقاً للنمط الشعري العربي.
ومع القول بأن الفرس كان لهم أوزان شعرية قديمة، فقد لوحظ تشابه البحور الشعرية عند العرب والفرس، فبحور: المتقارب، والرجز الرباعي (الدوبيت) كانت من الأوزان المعروفة لدى الإيرانيين القدماء، وهي شائعة عندهم في الوقت الذي كانت أقل شيوعاً في الشعر العربي القديم خلال العصر الجاهلي.
ذلك على حين تشيع بحور: الطويل، والوافر، والسريع، والبسيط، والمتقارب، في الشعر العربي، وبعض البحور الأخرى التي تتفاوت شيوعاً وكثرة بين الفارسية والعربية .
ولا شك أننا نؤمن بالتأثير العربي في الأدب الفارسي، ومن جوانب هذا التأثير بعض هذه الأوزان الشعرية، إلى جانب التأثير في الموضوعات والأساليب والأفكار.
وكان للموشحات والأزجال الأندلسية أثرها البارز في أشعار التروبادور الأوربية.
والموشحات الأندلسية هي فن جديد ابتكره شعراء الأندلس، وجددوا به نظام وزن الشعر وقافيته ن فلم يلتزموا الوحدة فيها، وأنواعها كثيرة، ولكنها تشترك في اشتمال كل منها على أجزاء يسمى كل جزء منها مقطوعة، وله قافية مستقلة تنتهي بلازمة أو قفل يتكرر مع كل مقطوعة.
ويقال إن من أسباب ظهور الموشحات الأندلسية: تأثر شعراء الأندلس بالغناء الشعبي المتحرر من الوزن والقافية والذي وجدوه بين سكان الأندلس عندما دخلها العرب، وميلهم إلى الدعابة والعبث بالتعبير السهل البسي، الأمر الذي يجعلهم يضيقون بقيود الوزن والقافية .
وشاعت الموشحات في الأندلس حتى تناولت أغراض الشعر، من مدح ووصف وغزل، وغيرها.. ولم تعد مقصورة على الغناء والمرح.
نعود لنقول: إن الموشحات ظهرت في الأدب الأندلسي مع أواخر القرن السادس الهجري، التاسع الميلادي، وهي تشتمل على أجزاء: الأول هو المطلع، والثاني الذي يليه هو الغصن، وتختلف قافيته عن قافية المطلع مع موافقته له في الوزن، والجزء الثالث هو القفل، ويتحد مع المطلع في القافية والوزن، والغصن والقفل معاً يسميان بيتاً.
وقد ظهر في شعر التوربادور تقليد للموشح الأندلسي، وعندهم أسماء متعددة تقابل أجزاء الموشح الأندلسي، ففوق التأثير في موضوع الشعر عموماً والموشح خصوصاً، يظهر التأثير في الوزن واضحا.
ففي شعر التوربادور كما في الموشحات تظهر شخصية الرقيب أو العزول أو الواشي أو الحاسد ، الذي يمنع المرأة من الاتصال بأي أجنبي، وتوجد شخصيات أخرى مثل الكاشح أو الرسول بين الحبيبين.
ولا يصرح باسم المحبوبة، بل يكنى عنها  مثل أن يقول الشاعر  أملي أو بغيتي.
ويعبر شعراء التروبادور عن ميلاد الحب من أول نظرة، وعن قسوة المحبوب الذي يخلف مواعيده أو يتجاهل الحبيب ، وكذلك خضوع المحب وإخلاصه .. إلى آخر هذا الذي نعرفه في شعر الغزل العربي بنوعيه العذري والحس.
وللموشحات العربية التي تتكلم عن الحب والهجر والمعاناة، وما يفعله الحساد نظائر في الشعر الأسباني، ذكر بعضها أستاذنا المرحوم الدكتور/ محمد غنيمي هلال في كتابه (الأدب المقارن).
وقد حاكى شعراء التروبادور الموشحات والأزجال الأندلسية في المقطوعات التي تتكون منها القصيدة، وقد جعلوها سبع مقطوعات، وهو العدد الغالب على الموشحة والزجل.
ويغلب على الموشحات العربية الألفاظ العربية الفصيحة، وقليلاً ما كنا نجد فيها ألفاظا عامية، أما الزجل فكان يصاغ باللغة العامية الدارجة التي انتشرت في الأندلس آنذاك، وتختلط بها ألفاظ أجنبية.
ومن المرجح أن تكون الأزجال الأندلسية قد نشأت في أواخر القرن الرابع الهجر، مع أن ما وصل إلينا منها ينسب إلى القرن السادس الهجري.
وكان الزجل يصاغ في بداية الأمر على منوال الموشحات مع اختلال قليل فيما يسمى الخرجة التي هي القفل الأخير من قصيدة الموشح أو الزجل.
والزجل كالموشحات الأندلسية كان مجالاً للتأثير في شعراء التروبادور، وانتقال ذلك الأدب إلى الآداب الأوربية كلها.
وختاماً نقول: إن التأثير والتأثر موجود لا محالة، وهذا ما يقرره المنطق والحياة الإنسانية، هناك تأثر بالسيرة الروحية أو الفكرية لكاتب مع، وتأثر بالموضوعات التي يتضمنها الأدب، وتأثر بالمضامين أو الأفكار التي يحتويها … الخ ..
نعم هناك تأثير وتأثر، رغم وجود من ينكر هذه الفكرة، واصفاً إياها بالإبهام والغموض.

قراءة في المجموعة القصصيّة “سطر روايتي الأخير” للكاتب الليبي: جمعة الفاخري قراءة: منذر فالح الغزالي

قراءة في المجموعة القصصيّة “سطر روايتي الأخير” للكاتب الليبي: جمعة الفاخري
قراءة: منذر فالح الغزالي

____________________________________________

لا يصعب على القارئ أن يلاحظ ميل الكاتب جمعة الفاخري إلى الأفكار في مجموعته القصصية الأخيرة. فالفكرة هي عماد نصِّه، كما يبدو ذلك في معظم قصص المجموعة، وفي القصص ذات المضمون السياسي، بشكلٍ أكثر وضوحاً؛ ولا يخفى، أيضاً، اعتماده على الحوار، حتى ليكاد الحوار أن يكون هو الحامل الرئيسي للنص والأفكار معاً.
وأعتقد أن ميل الكاتب إلى تغليب الحوار على السرد، في القصص ذات المضمون السياسي، جاء لتلبية وظيفةٍ فنيّةٍ يبتغيها: فكون الفكرة هي أساس نصّه، فإنّ الكاتب يتوارى بذكاءٍ خلف شخصيات قصصه، ليطلق،على ألسنتها، ما يريد من أفكارٍ، ويعطي، بالتالي، للفكرة تعمياً ومصداقية، فلا تبدو الفكرة خاصة بالكاتب، لا سيما إذا لاحظنا أنّ كثيراً من الأفكار صدرت على لسان أطفالٍ…ومن أكثر (براءةً) من الأطفال؟.
واعتماد النص، عند جمعة الفاخري، على الحوار، يخفّف من مساحة السرد في النص، ويقلّل استراحات الوصف (عدا قصتين أو ثلاث، كان الوصف فيها هو الغالب)، وبالتالي يضيق المكان القصصي. فليس غريباً أن أن نجد المكان عنده غرفة معيشة، أو غرفة نوم، أو مصطبة عند باب دار… لا يكاد يتعدّاه إلا اضطراراً، حين يكون هناك استرجاعاً ما من إحدى الشخصيات، فيتسع حينها المكان، ويتمدّد الزمان، بقدر حاجة الراوي.
يُستثنى من الحديث السابق نص اغتصاب، (النص الثامن في المجموعة)، فهو مبنيٌّ على الوصف بأكمله، مستعيناً بشروط وتقنيات القصة القصيرة جداً، والخاطرة. من الأولى أخذ التكثيف والقفلة المفارقة، ومن الثانية أخذ الوصف، مقسّماً النصَّ إلى نصوصٍ بعنواناتٍ متمايزة؛ لكن مترابطة وذات دلالاتٍ لا تخفى. فالوصف، في هذا النص، هو البطل الحقيقي، وهو محرّك الحدث، الذي يأخذ سيرورته من اختلاف الوصف من مقطعٍ إلى مقطع. ففي حين بدأ الراوي بوصف قريته بالبراءة، بشارعٍ وحيد ضيّق مستقيم، وما يوحيه من حميمية وبساطة واستقامة أهل القرية، انتهى في المقطع الأخير من النص إلى: “شوارع هرمة، تدلق أكداس قادمين جوعى، في جوف قريتنا الصغيرة، تتّسع، تتّسع، فتضيق بها، بنا، بهم، نتحسّسها فلا نلمسها…لم تعد لنا.”. وليخرج النصّ (اغتصاب) مجموعةً من الصورالأدبية الجميلة، تنتقل بنا بمتعةٍ بصريّةٍ يرسمها بالكلمات، ولنكتشف، بعد الانتهاء من نشوة الوصف الجميل، أننا في مكانٍ آخر، غير الذي انطلقنا منه، وأننا في زمانٍ مختلف عن الزمان الذي بدأنا به، وليقدّم لنا، أخيراً، وبالوصف وحده، قصّة مجتمعٍ كاملٍ يتغيّر.
وفي قصته دموع، (القصة الرابعة عشرة) شكّّل الوصف حالةً وجدانيّةً عميقةً وشفّافة. فالصورة، ودقّة متابعة الحركة الجوّانية للعجوز، بطل القصة، هي التي صعدت بالنص إلى فضاءٍ روحي شفّاف، شفافية الحزن والموت؛ لذلك جاء استهلال النص بمسرود…”يا لحياتنا الضائعة، أبوابٌ تصطفق، وأصدقاء يغيبون…!” تكثيفاً للقصّة برمتها…قصتنا جميعاً!
هذا الكشف الداخلي للنفس في لحظات حزنها، وسعادتها وحلمها وتردّدها، نلاحظه بشكلٍ أكثر وضوحاً في قصة الإسكندرية (الخامسة عشرة في المجموعة)، حيث يبرع الكاتب في وصف الصراع النفسي لبطل النص، النادل الشاب في إحدى المقاهي، الذي يجد هاتفاً محمولاً ثميناً، نسيه أحد الزُّبُن على طاولته وغادر. يبدأ الصراع الداخلي بين اغتنام اللقية، وما يرافقه من أحلام يقظةٍ، وبين الإحجام والوازع الخلقي. أجاد الكاتب في وصف باطن البطل بين الإقدام والإحجام. وبرأيي، هذا الصراع يتعدّى حدود نفس هذا الشاب الفقير؛ إنه صراع الإنسان، صراعنا نحن البشر، بين الذرائعية والمثالية. غير أنّ الكاتب لم يشأ أن يتبنى أي انحيازٍ لأحدهما، فجاء حلّ الصراع من الخارج، حين رنّ الهاتف فجأةً….لقد اتصل صاحبه، ليسأل عنه، وليخبر أنه قادمٌ ليأخذه.
أما في قصة (أصفر، أخضر ، بنفسجي – القصة العاشرة في المجموعة) فاهتمام الكاتب باللغة، فاق كلّ نصوص المجموعة حتى كأنّه، في لحظةٍ ما، ينسى أنه يكتب نصّاً قصصيّاً، وتتغلّب روح الشاعرعلى القاصّ، حيث نجد النصّ يحلّق بأجنحة الشعر، ليتحوّل النصَّ إلى أنشودة للحبِّ، جميلةٍ عذبة…للغة ، في هذا النصّ، رقّة خاصة، تليق بعاشقٍ يحتفي بعشقٍ قديم…”تعبرني بعينين سوداوين والهتين، تجتازني بليلتين ساحرتين تبرّأتا من قمريهما الناضجين، فأسكنتاه ركناً وثيراً في طرفين كحيلين… تغمرني في محيطٍ من لهفٍ مصفّى…أتبعهما مبتلّاً بشوقٍ عميم، أتقفّى حبّها بقلبٍ تزغرد فيه أعاصير حنين مهووسة”.
على هذه الأنسام الرقيقة، تتهادى كلمات النصّ، باستعاراتٍ وتشبيهاتٍ، وكناياتٍ ذات دلالاتٍ عميقة، رغم شفافيتها، مثل….” الشوق الفتّان يلوّن أعماقي بألف ربيع، يرسم لقلبي درباً أخضر، لا شاراتٍ حمراء فيه”…أو مثل: “لماذا عبرت َالشارات الحمراء؟”…فكم من شارةٍ حمراء يضعها المجتمع المثقل بتقاليد لم يعدْ يحتمل عبئها، وفي الوقت نفسه، لم يكلّف نفسه عناء تجاوزها؟!.
وقصّة رسالة ( القصّة الحادية عشرة) هي قصّة الأحلام الناقصة، أو المبتورة، أو المقتولة…الكاتب الذي يفرح بتحقيق حلمه: زيارة باريس، بدعوةٍ لحدثٍ أدبيٍّ كبير، لا يكاد يصحو من فرحته حتى يقرأ خبر موته في بريده الإلكتروني..هو، إذن، موت الحلم؟ أم منعه؟…أم هو الموت المعنويّ للكاتب، حين يفكر بالابتعاد عمّن يكتب لهم في وطنه؟!…النهاية الغرائبيّة تجعل للنصّ تشظّياتٍ عديدة، واتجاهاتٍ، في القراءة متعدّدة.
هذه التشظّيات تصل في نصّ جمعة الفاخري، أحياناً، إلى ذرىً شاعريّةٍ، تصل حدّ الفلسفة، فنجده يبرع في اقتناص اللحظات الإنسانيّة الهاربة من حياتنا المكرّرة الرتيبة، تلك اللحظات التي لا ننتبه لها، حتى يأتي حدثٌ استثنائي، وربّما عابرٌ، ليذكّرنا بها، ويجعلنا نتلمّس أنفسنا، نتعرّف إلينا، نتأكّد أنّنا ما زلنا نحن، نحسب، في لحظةٍ عابرة، الأشياء التي فاتتنا، تحت ثقل الهموم التي تضغط على كلّ شيءٍ فينا، ثمّ نعود إلى حياتنا اليوميّة ومشاغلنا الصغيرة،التي تستنزف عمرنا. يتبدّى هذا واضحاً في قصّة (رأسٌ وجسدٌ) التي افتتح بها المجموعة…
من حدثٍ بسيطٍ (أخذ صورة عند مصوّرٍ محترف، لجواز السفر) استدعى الكاتب فلسفةً في الحياة، وأسئلةً عابرة؛ لكنّها، في مرورها العابر، عميقةٌ ، في الحياة وفي الإنسان، وهذه العبثيّة التي نراها ونعيشها، أوتُفرَض علينا…”لماذا يتخلّى الإنسان عن بعضه تحت وطأة الظروف القذرة؟…هل خُلِق الإنسان ضعيفاً إلى هذا الحدّ المؤسف!؟”، يتساءل بطل النصّ وراويه، مستخدماً ألفاظاً تتجانس وطبيعة النص…”بصق كلماته…نبحني بسيل شتائم…”، وموظِّفاً السخرية توظيفاً رائعاً، فجاءت كأنها الحكمة….”إنهم يشنقون نصف الريّس، ونصف المواطن…سيموت المواطن، ويبقى الريّس، موهوماً بأنّه حيّ..”، منهياً القصّة نهاية يموت فيها البطل بصورةٍ سرياليّة غريبة، ولكن عميقةٌ بدلالاتها، هذا الموت الذي يؤكّد، بمعناه البعيد، موت المواطن – الوطن…”يُفصل الرأس عن الجسد، يسقط أعلى. أنظر إلى أشياءٍ حميمةٍ تسقط منه إلى أسفل. أتأملّها مختلطةً بالدماء…بعض أناشيدي عن الوطن، كنت ألقّنها للصغار، وصورة أمي…وعطر أثير ظللت أدّخره لعرسٍ قادم…”
يتدرّج النص “رأس وجسد” مبتدئاً بالحدث الاعتيادي اليومي، ليصل إلى نهايةٍ مأساويّة، أرادها الكاتب أن تكون على يد الحاكم بأمره، وبسببه.
هذا يعيدنا إلى الحديث عن النصوص ذات المضمون السياسي، رغم أننا لا نستطيع أن نفصل السياسي عن الاجتماعي في نصوص المجموعة، غير أنها ذات مضمونٍ سياسيٍّ خالص، بموضوعاتها، وعنواناتها…(صار ابني رئيساً، الثالثة – سطر روايتي الأخير، الخامسة – سأقتلكم، الثانية ).
سأقتلكم هو نصّ، وإن كان يقطر سياسةً، إلا أنه يتعدّى حدود السياسة، ليكون كلمة احتجاجٍ على التاريخ…”سأقتلكم” ، يقول الزعيم في النص.
“لماذا تقتلنا؟”
“لأنّ بلادي لم تدخل حرباً قطُّ…ينبغي أن يكون لنا تاريخ!”
“هل حقاً أنّ الحروب هي التي تعطي للوطن، أيّ وطن، تاريخاً؟!”
وفي قصته إعدام (القصة الثالثة عشرة) حكاية رجلٍ محكوم بالإعدام، يجادل القاضي الذي حكم عليه، ويطالبه بمبررات الحكم. يتصاعد الحدث، ليصل إلى ذروةٍ تجعلنا ننتظر النهاية بلهفة؛ لكنّ الراوي يخذلنا حين يكشف أنّ ما مرّ كان مجرّد حلمٍ.
هذه النهاية -برأيي- أفقدت النصّ ثقةَ القارئ؛ فالحدث الذي شدّنا طيلة السرد والحوار والجدال، وجعلنا نتعاطف مع البطل الضحيّة، انهار دفعةً واحدةً، حين علمنا أنّ ما كان، مجرّد حلمٍ، أي ليس هناك ضحيّة، ولا حدث…لقد خذلنا الراوي بهذه النهاية.
وفي قصّة صورة الريّس (القصيّة التاسعة)، يستلهم الكاتب ما سجّله مكسيم غوركي في إحدى صوره الأدبية، حين سأل جنكيز خان خادمه كومار: “لو عُرِضْتُ للبيع، بكم تشتريني يا كومار؟…بخمسةٍ وعشرين ديناراً…ولكنّ حزامي وحده يساوي خمسةً وعشرين ديناراً!…أنا دفعتُ ثمن الحزام، أمّا أنت نفسك، لا تساوي درهماً واحداً!!!”. لكنّ السؤال، في نص الفاخري، يأتي على لسان الطفل الذي يسأل أباه:
” لماذا ينشرون صورة الرّيّس في مليون جريدةٍ كلّ صباح؟
ليثبتوا أنّه بمليون وجهٍ.
وما هذه الدراهم العشرة؟
إنّها قيمة الجريدة.
جريدةٌ فيها وجه الرّيّس، بعشرة دراهم، فما قيمة الرّيّس إذن؟
ستعرف قيمته بطرح قيمته من ثمن الجريدة…!!”
أمّا النصّ السياسي الأروع، فكان: أنوفٌ (النص السادس). إذ يفتح، في هذا النص، باباً تقيلاً صدئاً، ليدخلنا إلى أحد أسباب صناعة التطرّف والكراهية، وليقولَ: إنّ العداء والكراهية والتطرّف هو نتاج التربية…بين الواقعي والفانتازي يأخذنا الراوي في سيرةٍ مختصرة للرجل الذي أوصاه أبوه، وهو طفلٌ…”حين تكبر أريدك أن تأكل أنوف الرجال…..”. حفظ الطفل الكلمات بحرفيّتها، دون أن يفهم معناها، وتحوّلت الوصيّة إلى هواية كبرت معه، وصارت عادة…ثمّ إدمانٍ لا يستطيع تركه…ثمّ مرضاً يؤرقه حتى مماته، وهو يشتهي أنوف الرجال، ويقضمها، ويلتهمها…هكذا نصنع العنف…انتبهوا لكلّ قولٍ…انتبهوا ماذا تعلّمون أولادكم…لا تحمّلوا أحداً ما لا يستطيع فهمه، فيتحوّل إلى وحشٍٍ يلتهم أنوف الآخرين.
خمسة عشر نصّاً احتوتها مجموعة الكاتب الليبي جمعة الفاخري، في كتابٍ من القطع الصغير، من خمسٍ وتسعين صفحةً، هي المجموعة الخامسة للكاتب، والكتاب العشرون، بإنتاجٍ متنوّع، بين الشعر والقصة القصيرة جداً والخاطرة والنقد، والقصة القصيرة.
تمتاز قصص المجموعة بتنوّع موضوعاتها، ويمتاز الكاتب بانحيازه إلى الإنسان، في السياسي أو الاجتماعي، تكاد مآلات أبطاله، كلّها، أن تكون مآلات مأساوية خاسرة، كأنّه أرادها مرآةً لصورة الإنسان الخاسر، في مجتمعنا العربي. والسياسة، في المجموعة، هي سبب الشرور، ورأس الشرّ: الزعيم الطاغية.
تمتاز النصوص بلغةٍ نظيفة، راقية، وللحبّ فيها مكانٌ ومكانة، يبدو هذا في رقّة مفرداته، وجمال صوره، حتى أنّ اهتمامه باللغة، في بعض النصوص، كاد أن يفقدها شروط القصّ.
وتمتاز نصوص المجموعة بأنها نصوص “أفكار” .
اختار الكاتب لمجموعته عنواناً، هو عنوان أحد نصوصه السياسية…للعنوان جاذبيةٌ وإغرءً؛ لكن ليس بالضرورة أنّ النص هو أجمل نصوصها.

دراسة نقدية للناقدة: زهرة خصخوصي “عسل الجمر” في المجموعة القصصيّة “الريح تكنس أوراق الخريف” للأديب السّوري منذر الغزالي.

تصدير:

وُجدنا غريبين معا
وكانت سماء الرّبيع تؤلّف نجما.. ونجما
وكنت أؤلّف فقرة حبّ
لعينيك.. غنّيتها (محمود درويش: أجمل حبّ

مدخل إلى قراءة الأثر:

  القصّ فنّ عربيّ حمل على عاتقه منذ انبجاسه مطيّة تواصل إنسانيّ هموم الإنسان ومشاغله.. فهو إمّا ناقل لأخبار تتوارثها الأجيال حكما واعتبارا أو مقدّما نوادر ومقامات تجود بالإمتاع والمؤانسة، أو مصوّرا الواقع كاشفا الحجب عمّا توارى منه خلف التّعتيم والإبهام شحذا للعقول للتّفكير فيه وتدبّر سبل معالجة مشاكله، أو راسما المتخيّل ظفرا بتحقّقه ولو على القراطيس…
  وبتطوّر مشاغل الفكر الإنسانيّ تطوّرت شواغل فنّ القصّ فخرج من حدود سرد الوقائع إلى سرد المشاعر والأحاسيس هواجس أو حزنا أو فرحا أو تأرجحا بين كلّ هذا سردا حكائيّا نظفر فيه بمقوّمات الحكاية من عقدة وصراع وانفراج وزمكانية وحبكة وشخصيّات حيث يستنفرها القاصّ لنسج حكايا الرّوح والفكر..
ونحن نظفر بالمجموعة القصصيّة “الرّيح تكنس أوراق الخريف” التي ترنو إلى رفرفة في عالم القراءة مفارقة حدود قلم كاتبها المبدع المائز
السّوري منذر غزالي تتدافع في الفكر الأسئلة: ماذا احتوت هذه المجموعة؟ وبأيّ سرديّة اصطبغت؟ وبم باحت؟ وعمّ انطوت؟ وبم توشّحت من قريحة كاتبها المائزة التي ألفناها؟..
أسئلة لجوجة سأحاول إرواء الظّمإ فيها إلى إجابات عساها تكون شافية كاشفة عن درر الأثر صادحة ببعض الأصوات الهامسة فيه..
 
القراءة النقدية:

  في بناء هذه القراءة ارتأيت أن أنطلق من تقديم الأثرالقصصيّ هذا مادّيّا عبر مرحلة الوصف ، فتقفّي خطى خصائص تشكّله نصّا جمعا كرمّانة تزخر بحبّاتها عبر مرحلة التّحليل، ثمّ مغازلته واستعطافه ليبوح بأسراره عبر مرحلة التّأول ..1

-وصف الأثر:

“الرّيح تكنس أوراق الخريف” مجموعة قصصيّة تتألّف من ثماني قصص قصيرة وردت تباعا كالآتي:
-اعتياد
-موعد
-مناسبة خاصّة
-غمزة
-شاب الهوى
-الرّيح تكنس أوراق الخريف (ومنها نهلت المجموعة القصصيّة عنوانها)
-والشّيطان ثالثنا
-المرأة التي علّمتني
  يليها نصّان وسمهما الكاتب منذر غزالي بالمتتالية القصصيّة ممهّدا لهما بتوضيح للتّسمية كاتبا”: هي – بتواضعٍ تام – مجرّد تجربةٌ في السرد، وجدتها الأنسب لطرح قضية وجودية، كقضية الحياة والموت، في “جسرٍ خشبيٍّ صغير”، أو مسألة وجدانية، كخيبة الأحلام، في “نهايات”. رأيت أنّ طرحها في سردٍ تقليديّ من مقدّمة، وحبكة تتصاعد إلى الذروة، وصولا إلى الخاتمة، لا تفي بالغرض.
والمتتالية القصصية، كأسلوب، هي التجسيد السردي، في الكتابة، للمتوالية السيمفونية، في الموسيقا.
  وهي – كما عملت عليها – مجموعة من القصص القصيرة جداً. تتوالى، وتتكامل، لتعطي المعنى الكامل للحالة، أو للفكرة؛ دون أن يرتبط إحداها بحدثٍ واحد. لكن لا بدّ أن ترتبط بالفكرة العامة، أو الغرض
الشامل المراد منها.
  وتتميّز هذه الومضات، من جهة، بلغةٍ شعرية بسيطة، تكون هي عنصر الإمتاع. حيث لا يوجد حبكة
  تشدّ القارئ، أو ذروة ترفع من نبض النصّ، وتزيد التوتر لدى القارئ. ومن جهةٍ ثانية: تعتمد الرمز دون إبهام، أو غموض.
  هل وفّقت إلى ما أريده؟ هل كان اختيار هذا الأسلوب الجديد – حسب علمي– يفي بالمراد من حيث الغرض، ومن حيث الإمتاع؟ أرجو ذلك. والراي الصحيح يبقى لدى القارئ، فهو من سيتلقى التأثير الجمالي والشعوري.
  ربما يقول أحدٌ، أنّ هذه بدعة لا قيمة لها ولا حاجة، وربما ينفي آخر انتماءها إلى جنس القصة.. ربما يقال أكثر من ذلك، وربما لا يلتفت للموضوع أحد…. كلّ ما سيقال هو موضع احترام.
  هي مجرّد تجربة جديدة، قد تلقى القبول، أو الاستحسان، وقد يؤمن بها مبدعون آخرون، فيشتغلون
عليها، ويطوّرونها. وقد….
والإبداع، كلّ إبداع، أولاً وآخراً، يبدأ من تجربة.
“منذر”
ثمّ يردان (أي النّصّين) كالآتي تباعا:
-متتالية قصصيّة 1
-متتالية قصصيّة 2 
  وقد عمد الكاتب إلى تذييل كلّ نصّ من نصوص مجموعته هذه بزمكانيّة جود قريحته به واندساسه في حضن القرطاس ليشدّ الرّحال إلينا نحن جمع القرّاء.
  فمن أيّ المواضيع اغترفت نصوص هذه المجموعة القصصيّة شهدها؟ وما هي أهمّ الشّخصيّات التي فيها حضرت؟ وفي أيّ الفترات الزّمنيّة والفضاءات المكانيّة وُلدت؟وكيف ارتأى كاتبها بثّها في مجموعته ليتشكّل بها شكل الوليد الذي ارتضاه ويُرضيه..؟
2-خصائص الوجود القصصيّ في”الرّيح تكنس أوراق الخريف:
 
  أتحمّس وقد لامستُ زبد بحر ذي المجموعة القصصية وموجُ مُتونها يهدر مغريا بالاغتراف من لُجينه، فأخطو نحو سطحها أروم أن أُثلج صدر فضول القراءة فيّ،متفحّصة موادّها الحكائيّة (المواضيع) وشخوصها وترتيب القصص فيها…
أ- مناهل الحكايا: إذ يلج فكري تفاصيل “الرّيح تكنس أوراق الخريف” تنفتح أمامي بوّابات زواياها فأُلفي الكاتب قد اغترف مادّتها الحكائيّة من بئر الحبّ الذي لا ينضب تجلّيا ومذاقات وامتدادات وإغراقا لزائريه..
  فالأقصوصة الأولى (اعتياد) تروي، عبرلحظة نسيان الحال الواقعة تحت كلكلها الشّخصيّة”هو”، شذرات من عذب حكايا يوم يرفل في حبّ الحياة والجارة الطّالبة،منتهية بفرار اللّحظة تلك وهجوم جحافل الواقع المنشب أنيابه في الجسد والفؤاد معا..
  والأقاصيص التّالية لها تزخر بحكايا الحبّ بألوانه الكرنفاليّة، فهوفي “موعد” يرتدي قتامة جلباب الحبّ المخادع المتأسّس على المظهر الخارجيّ دون تمحيص في جوهر الحبيبة وتبيّن لحقيقة خطوها في الوجود فيتهاوى صرح الحلم على هشيم خمائل عفّة وجد وهيام تاهت فيها شخصيّة العاشق.. وفي “مناسبة خاصّة ترتسم لنا قصّة عشق زوجين تجمح فيها عاطفة الزّوجة جيّاشة فترسم للمناسبة الخاصّة بهما بمنأى عن الأولاد طقوسها الرّومنسيّة لكن بشاعة يوم الزّوج تكاد تنسف عرش الحبّ هذا لولا هبّة الخافق الولهان من جديد فيُمسح الدّمع وتُستأنف تلك الطّقوس المرهفة من جديد..
  ويواصل الكاتب منذر غزالي رسم فسيفساء الحبّ في مجموعته القصصيّة هذه بحكاية الحبّ والخجل والوجل في قصّة”غمزة”، وحكاية متاهة اللّقاء بعد فقد الحبيبين جسر الهوى في قصّة “شاب الهوى”، وكذا الأمر في قصّة “الرّيح تكنس أوراق الخريف” حيث تُنتسج حكاية صدمة الحبّ في عالم الرّغبات الجسديّة، وفي قصّة الشّيطان ثالثنا حيث يعشّش الحبّ الأوّل في الخافق خفية لينطّ في وجه العاشق بكلّ آلام النّوى ورائحة الكراهية الكريهة للصّديق الخائن المندسّ بين الحبيبين حتّى بعد موته، ثم تأتي “المرأة التي علّمتني” قصّة جامعة لحكايا الحبّ حيث العشق الأوّل وفشله والحبّ العذريّ ونقاؤه وحبّ الصّديقين وشفافيّته وحبّ الوطن ورقيّه..وهي القصّة التي سأخصّها ببعض قراءة لأنّها وردت بمثابة القصّة الجمّاعة لمشارب المجموعة كاملة ..
  تليها المتتاليتان القصصيّتان كشهد تجارب العمر وزبدة أرجحة الحياة للرّوح في دروبها فيتحرّر الحبّ فيها من الذّات المفردة ويرفرف ذاتا جمعا تكابد وجع الحرب و”غُمّيضى” القدر وهو يومئ بهطل لذيذ اندساس في حضن الحبيبة حلما وحياة ووطنا كما يتجلّى من خلال قول الكاتب في المتتالية الأولى:”
  جسرٌ خشبيٌّ صغير، وطفلةٌ صغيرةٌ تحلم بثوبها الأبيض، ترخي شعرها على كتفيها، تتباهى بغرتها الناعمة، تبتسم بعينيها الزرقاوين لخطيبها الذي يرفع ذيل ثوبها الطويل.
” ستكبرين يوماً يا صغيرتي، وسيحبُّك فارسٌ وسيم، وسيرفع ذيل ثوبك الأبيض…على الجسرِالخشبيِّ الصغير”
  ثمّ وهو (القدر) يعلن عن وجوده المدمي أرواحا عشقت الحياة والوطن واعدا إيّاها ببصيص أمل رغم عتمة أفق يرزح تحت كلكل الألم حيث نُلفي الكاتب يقول في المتتالية الأولى:
  جسرٌ خشبيٌّ صغير، وشلالٌ ينحدر من السماء، أبيض كأنّه الموت، صاخبٌ كأنه الحياة، وطائرٌ وحيدٌ ينثر ألحانه حول الطفلة الصغيرة.
  “لا أحد يسمعك أيها الطائر الوحيد، فالشلال المتدفق، صوته يطغى على كل شيء، والطفلة الصغيرة لا تراك حتى تملأ أذنيها بأنغامك المتناثرة… شغلها صوت الهدير الذي يملأ المكان.”
 كما يردّد في المتتالية الثّانية:
 “أرى حوريَّةَ البحرِ تنزلقُ فوق سطحِ الماء .
 تدعوني نحوها… جسدُها اللدنُ، صدرُها الممتلئ العاري، شعرُها الذي حدَّثتني عنه حكايةُ جدَّتي.
أقتربُ قليلاً من الماءِ، أمدُّ يدي، تمدُّ يدَها تتناولني…
تهبُّ عاصفةٌ مفاجئة، ترتفعُ موجةٌ عالية… قيل أن تلمسِ أصابعي أطرافَ أصابعِها.
(6)
أرى عمراً بستان عوسج.
أرى حريقاً.
أرى برعماً صغيراً وسط الحريق…لا يحترق.”
  ألا نراها مجموعة قصصيّة كملحمة العشق في الحضارة الفينيقيّة لا مدار تنشدّ إلى جاذبيّته غير مدار الحبّ بكلّ ألوانه الكرنفاليّة التي تحتفي بالحياة فلا لون لسواد الموت والعجز فيها، على أنغامها يزهر الجمر لوزا في بيض ليالي الشّتاء ومنه يُلقمنا الكاتب المبدع منذر غزالي شهد الحرف والكلمة…
ب- الشّخصيّات عُمُد القصّ: من عساه يستضيف الكاتب في حكايا الحبّ غير الرّجل والمرأة؟.. الرّجل مُراوح بين الحضور بضمير الغائب في القصص السّبعة الأولى، وضميرالمتكلّم فيالقصّةالأخيرة (المرأة التي علّمتني) والمتتاليتين، والمرأة منبجسة منذ لحظة انبناء الحكاية مشاركة فيها كما في القصص: موعد/  غمزة/  المرأة التي علّمتني/ اعتياد/ مناسبة خاصّة/ الرّيح تكنس أوراق الخريف.. ومنسلّة من رحم الذّاكرة على جناح الاسترجاع أثناء الحكاية كما الحال في القصّتين”شاب الهوى” و”.. والشّيطان ثالثنا”.. أو صورة شعريّة للحظة مقتنصة من تأمّلات الفكرة في هيئة طفلة أو حوريّة البحر في المتتاليتين.
  فالمرأة والرّجل قطبا حكايا الحبّ في هذه المجموعة القصصيّة التي تذكّرنا بالأثر العربيّ القيّم “طوق الحمامة في الألفة والألّاف” لابن حزم الأندلسي، انتسج بهما الأديب قصصه ونسج حولهما شرنقة فيها يتشكّلان كائنا جديدا مرفرفا كالفراش في خمائل المقاصد حاملا على رقّة الجناح عظيم الدّلالات…
ج- التّرتيب، خيط الحرير في منسج المجموعة القصصيّة: ارتأى الأديب منذر غزالي أن ينضّد نصوصه القصصيّة في مجموعتها “الرّيح تكنس أوراق الخريف” تنضيدا تصاعديّا حسب ثلاثة معاييروهي:
*معيار الامتداد: فنحن إذ نلج قراءة المجموعة القصصيّة ذي نلاحظ خطّا تصاعديّا لعدد صفحات القصص (دون احتساب المتتاليتين لاختلاف الجنس الأدبيّ) وذلك كما يلي:
-القصّة الأولى (اعتياد) مداها صفحة واحدة
-القصّة الثّانية (موعد) مداها ثلاث صفحات
-القصّتان الثّالثة والرّابعة (مناسبة خاصّة/ غمزة) مداهما أربع صفحات لكلّ واحدة منهما
-القصّتان الخامسة والسّادسة(شاب الهوى/ الرّيح تكنس أوراق الخريف) تماثلتا امتدادا بثماني صفحات
-القصّة السّابعة (.. والشّيطان ثالثنا) امتدّت على ثلاث عشرة صفحة
-القصّة الثّامنة (المرأة التي علّمتني) هي الأكثرامتدادا ببلوغ عدد صفحاتها الأربع عشرة صفحة..
  فنراها أمامنا تصّعّد نحو ذروة طول النّفس القصصي كلّما أوغلنا تقفّيا لمتونها..
*معيار تاريخ الميلاد: مكانيّا جعل الكاتب النّصّين مولودي ألمانيا بلد المهجر (اعتياد وموعد) في مستهلّ مجموعته القصصيّة هذه، لتدفق بعدهما القصص الأخرى ذات المنشإ السّوريّ وكأنّنا به يخبرنا بأنّ كلّ نبض في حاضره المغترب هو من خفق وطنه يتشكّل وبهواء عشقه موطنه ينمو وبرطب هويّته المتغلغلة فيه مثقل.. أمّا زمانيّا فقد وزّع الأديب نصوص مجموعته بجعل مواليد السّنتين الأوليين للحرب في سوريا (2011 و2012) تندسّ بين جناحي مواليد السّنوات التّالية (2015/2016 و2013 /2014) فارّة المتتاليتان من هذا الحضن مذكّرتين بأصل نشأة هذا الواقع الجديد المؤلم (2011 حيث كان المقصد نوال الحرّيّات وفرض ما سُمّي بالرّبيع العربيّ)، فتذييل كاتبنا المبدع لنصوصه بتأريخ ولاداتها زمكانيّا ليس اعتباطيّا بل هو منهج وظيفيّ سعى من خلاله إلى رسم درب السّير على الجمر وتجرّع العلقم المرّ في الدّاخل تقتيلا وتشريدا وفي الخارج لوعة وحنينا..
  *معيار المتون: إنّ الجائل في رحاب “الرّيح تكنس أوراق الخريف” المجموعة يلاحظ أنّ الأديب منذر غزالي قد خصّ السّبع قصص الأولى بالسّرد المثقل إخبارا بحكايا الحبّ بينما أثقل القصّة الأخيرة بالتّأمّلات الفكريّة الفلسفيّة الوجوديّة من خلال بنائه حوارات بين شخصيّة الرّاوي والمرأة الأجنبيّة تجاذبا فيها صنوفا من مشارب الحياة تجاذبا فكريّا تأمّليّا، ليتيسّر له إيراد متتاليتيه القصصيّتين اللّتين عرّفهما بأنّهما فنّ التّأمّل في الوجود يتشكّل نصوصا قصيرة جدّا تتالى..
  وكأنّنا بهذا الأديب المبدع وهو ينضّد مجموعته القصصيّة هذه يبني أطروحة فلسفيّة وجوديّة هي ثمرة تجارب حياة وتأمّل فكر ووعي قريحة..
مقتطفات من قصّة”المرأة التي علّمتني”
______________________
**—فقلت لها بزفرة توجّع: “على كلّ حال، لا فرق بين الموت والحياة. وأحياناً يكون قرار الاستمرار في هكذا حياة هو الانتحار”.
 اتّسعت ابتسامتها، وحرّكت رأسها باستغراب، وردّت: “هذه فلسفة!”. صمتت ثانية أو ثانيتين، ثمّ أردفت: “لكنّها فلسفةٌ عدميّة!”. مشت قليلاً، ودعَتني، بإشارةٍ من يدها، كي أمشي معها، ففعلت. أكملتْ ردّها على كلامي: “الحياة والموت نقيضان، والنقيضان لا يتساويان… الحياة حياة، والموت موت، ولا يمكن أن يتساويا يوماً”. كانت لغتها الفصيحة، وكلماتها المتمهّلة، ولكنتها الجميلة، تضفي على ما تقول عمقاً مميّزا جعلني أنشدّ للردّ عليها: عندما تكون الحياة سيّئةن فهي أسوأ من الموت”.
 “عندما تكون الحياة سيّئة، فهي، ببساطة، حياة سيّئة!. أمّا الموت، صمتت برهة، غامت أثناءها نظرتها، وأكملت بنبرةٍ خفيضة: لا يوجد موتٌ جيّد وموتٌ سيّء… الموت هو الموت!”.
  كان الشلال إلى يميننا، صوته الهادر يغطّي على المكان، ورذاذه المنعش البارد يصل إلينا، وكانت الشمس ترتفع فوق طرف الوادي، في النقطة البعيدة من الأفق، وكانت أشعّتها تنعكس على ذرى الأشجار، وعلى مجرى الماء، فتشتعل بتوهٍّج برتقاليّ، وتترك على امتداد الوادي تموٍّجات من البريق والظلّ، وكنا وحيدَين، نمشي متجاورَين على سكّة القطار. نظرتُ إليها: كانت تتأمّل المنظر البديع بكلّ جوارحها، ووجها الأبيض الصافي، يمتزج بلون الأشعّة، فيبدو كأنّما يشوبه الشحوب، حذاؤها الخفيف يعطي لخطواتها خفّة واتّزانا. كل شيءٍ فيها يوحي بالدّعة والراحة. فكُّرت وأنا لا أزال أنظر إليها: “من أين لكأن تعرفي معنى المأساة!”.
   قالت فجأة، وهي لا تزال منغمسة في تأمّلها: “ما دمنا نحيا، فعلينا أن نقاوم الموت!”.
رددتُ على كلامها بسرعة: “نحن نحيا، فقط، لأننا لسنا أمواتاً!”؛ وكنت ألعب بالألفاظ!. رحت، عن قصدٍ، أضخّم شعوري بالحزن، وأعبّر عن الألم العميق الذي أكابده، دون أن يفهمه أحدٌ غيري، وأؤكّد أنّه لا يعرف معنى الحزن إلّا من يجرّبه، ولا يقدّر حجم المأساة إلّا من يعانيها، وكانت تستمع إليّ بصمت، دون أن تبدي ملامحها أيّ شعور، أو ردّة فعل,فازدادت كلماتي حرارةً ورحت أغلّفها بالحكمة، كي أثير تعاطفها مع مأساتي…”ما
نفع الحياة, إذا كان كل شيءٍ فيها مزيّفا..؟”
**—قالت بعد أن أنهيت كلامي (في الواقع لم يبق لديّ كلامٌ آخر أقوله ):”تسأل عن الحقيقة؟، هذا سؤال كبير!. هل تتوقّع أن يأتيك أحدٌ بعلبةٍ مغلّفة، ويقول لك:افتحها وستجد الحقيقة في داخلها؟!… الحقيقة تحيط بنا، تكمن في كلّ شيء. انظر حولك: هذا الوادي السحيق، وهذه السماء العالية، وهذه الشمس، وهذا الشلال والصخور والأشجار… أليست هذه كلها حقائق؟”.
“أنا أسأل عن الحقيقة الإنسانيّة، وأنتِ تحدّثينني عن الطبيعة!…حتى الطبيعة، الطبيعة ذاتهاغامضة”.
“وقفت، ونظرت في عينيّ, وأكملت: “أن نجهل الحقيقة الحقيقة شيء وأن ننكرها شيءٌ آخر؛ حياتنا حقيقة، أنا حقيقة، وأنت حقيقة، شبابك هذا الذي تريدأن تنهيه، حقيقة، هذه – على الأقل – حقائق تدركها، وتملكها؛ ومع ذلك، تريد أن تتخلص منها… وتسأل عن الحقيقة؟!”.
**—“السعادة، ليست فقط، أن نحصل على ما نريد. السعادة الحقيقية، هي الشعور المرافق للإنجاز… ماذا فعلتَ أنتَ لتحافظ على حبّك؟…لا بدّ من المعاناة، من الجهد، كي تبقى علاقتنا بالحياة قائمة. أما المتعة السهلة الدائمة، فلا معنى لها، أشبه بالغيبوبة”

  هذه مقتطفات من قصّة تختم القصص في المجموعة القصصيّة” الرّيح تكنس أوراق الخريف”، وتجعل من ذاتها نواة لرواية فلسفيّة وجوديّة تبحث في أبعاد الوجود الإنسانيّ المختلفة… هذه المقتطفات الحواريّة وردت في القصّة بعد حدث محاولة الرّاوي الانتحار لحظة يأس من صدق هبات الحياة والحبّ حالت شخصيّة المرأة الأجنبيّة”روز” دون تحقّقه ووهبت الرّاوي فرصة تأمّل أرحب للوجود..
  وكما أسلفت القول تلي هذه القصّة متتاليتان قصصيّتان هما تأمّل فكريّ في الوجود بلغة شاعريّة وسرد قصير جدّا متتال كما وصفهما الكاتب نفسه..

3- البوح بالأسرار (أنا أسأل.. أنا أستنتج.. أنا أؤوّل..)
 
 أيّها الأديب المبدع منذر غزالي… قصصت فسردت ما أردت، ونضّدت مجموعتك كما شئت، وانتقيت لآخرها تسمية ارتأيتها، وجعلت عنوان القصّة الوسطى للنّصّ عنونة.. فما عساك بكلّ هذا تقول…؟!
  أنا أصغي إلى تمتمات في أثرك البذخ هذا.. أقترب.. أدنو.. همساتك تعلو قليلا.. أنحني.. أنبش تراب العتمة عن تبر المقاصد.. تتجلّى لي كلمات.. أندسّ في ثرى الجمل والفقرات فالنّصوص.. ترتفع بي أناشيدك الصّادحة بها مجموعتك عاليا نحو ثريّا الكشف…
  وأنتم تراقبون.. تنتظرون.. بفضول عاشق الحرف تلجّون برغبات حارقة في مشاركتي كنز الكشف.. أعساكم بما ظفرتُ ترضون..؟ كلّا.. عبر خطاي الوهنة في هذا الأثر سوف تمرّون عميقا، وبخطو يسير إلى مكامن الدّرر وبنفيس الكشف دوني سوف تظفرون..
  وأنا أسائل الأديب عبر منبر نصّه عن مقاصده باح لي عبر مصدح الحرف بأنّ الحبّ فعل مقاومة، وأنّ الوفاء رغم النّوى فعل مواطنة، وأنّ الخيانة تضرب الخاصرة ولا تدمّر غير صاحبها، وأنّ الوجل في الحبّ جبن يذلّ الوطن وأنّ الفكر للعاقل سكن، وأنّنا نعشق بصدق وننسى كذبا ونفي سرّا ونتواصل عبر نجمات الحكايات المنسوجة بحرير الأمنيات السّامية لنثبت أنّنا على قيد الوجود بكلّ أبعاده..
  خلسة عنكم همس لي الحرف الزّاجل بيني وبين أديبنا المبدع بوصيّة الوطن للرّوح العاشقة مقتطعة من “القصيدة المتوحّشة”:
“أحبّيني.. وقوليها
لأرفض أن تحبّيني بلا صوت
وأرفض أن أواري الحبّ
في قبر من الصّمت
أحبّيني… بعيدا عن بلاد القهر والكبت”
 وأشرع أمامنا جميعا (كفاني ضنّا بهباته عنكم) نوافذ الأمل بغد أفضل وهو يرتّل ترانيم متتاليتيه القصصيّتين ويختمهما من درعا الأبيّة صادحا:
“أرى عمراً بستان عوسج.
أرى حريقاً .
أرى برعماً صغيراً وسط الحريق…لا يحترق.”
 هو غد كالرّيح يكنس أوراق خريف الوجل والوجع والنّوى والدّمار والخيبة حاملا في جرابه بذور ربيع لا يتشوّه في الرّحم ولا يُقتل في المهد صبيّا ولا يُكبّل وقد بلغ من العمر عتيّا ولا تأفل شمس فجره إذ ليس في قاموسه مفردة”عشيّة… هو ترنيمة الحياة التي لوقع صداها ينفلق الصّخر الأصمّ جوّادا بزلال زمزم، ويتشقّق الرّخام واهبا ليخضور الشّجر فرحة الظّفر بالنّور وتتهاوى الغيوم المثقلة هطلا إلى وجه الأرض المتلظّية شوقا وحنينا تغرقه بخصيب القبلات… وبإدراكها ينتصب الإنسان خليفة في الكون بامتياز..

امتنان:
 
  هل لي بعد هبات ذي المجموعة القصصيّة البذخة،أمام كرم كاتبها المبدع منذر غزالي وهو يهدينيها ثقة ببعض جود قريحتي إلّا أن أتزوّد بكلّ ما زخرت به معاجمنا العربيّة من عبارات الشّكر والامتنان وأن أقول ومالي في ذي المقامات قولا شافيا:” أبدعت أستاذي كما ألفناك وأكثر وبثثت في مجموعتك البذخة من المقاصد ما غفلت عنه قريحتي فعذرا أستميحك لها وهي في درب القراءات تحبو كمُهر يتعلّم الخطو في مضمار سباقات الخيول.. سلمت قريحتك ولا نضب مدادها وهنيئا لسوريا بك ابنا مبدعا بارّا ولأمّنا الضّاد بفارس من فوارسها الأشاوس في ميادين القصّ…

قراءة تحليلية لنص “رحلة” للكاتبة المبدعة هنادي بلبل.. بقلم: الناقد: محمود عودة

قراءة تحليلية لنص “رحلة” للكاتبة المبدعة هنادي بلبل.. بقلم: الناقد: محمود عودة

_______________________________________
(النص)
رحلة
****
تحت جناح ملاك سماوي اختبأتُ زمنا عن أعين الدنيا؛ أدركتني غيبوبة السنين واحتجزتني ظلال آسرة…
طافَ بي ملاكي فوق مدنٍ أصابتها تخمة النعيم؛ هبت نسائمها العليلة وأيقظت شوقي لممارسة الشهيق والزفير مع رقصة نبض في عروق ذبلت…
عبرتُ محيطات الفقر وألقيتُ على أهلها سلاما ما سمعوه! فآذانهم لا تألف غير لغة الشقاء وعيونهم تدمع مُرا، “تبا لهم” لن يتعلموا يوما كيف يساومون الحياة على المرح!…
على امتداد خارطة صفراء لفحتني نار وسموم غازات لم أبصر بعدها إلا سوادا ملوثا بالدماء! استوقفني قلبي أمام بقعة واسعة؛ اقتربتُ منها وأمعنتُ فيها النظر؛ نثرتني الرياح رمادا، أسقطتني على شاهدة قبر، رسمتني عليها أحرفا:”احترقتْ مع ما تبقى من الوطن”.
القراءة
====
العنوان
====
العنوان وهو عتبة النص استوقفني كمتلقي “رحلة ” والمعرف أن الرحلة تعني سفر، أي نقل من مكان السكن إلى جهة أخرى، ونجد أنه جاء نكرة وهي تحديد لوصف الرحلة ولم تعرف لتترك الرحلة عامة، وهنا تسألت ما نوع هذه الرحلة، أهي رحلة استجمام؟، أم رحلة سفر طويل استكشافية أو علمية، أم رحلة في بحور الشقاء وقد تكون رحلة في شرايين الحياة أو في أطياف التقوى والإيمان.
توصيف الرحلة
=======
بدأت الكاتبة كساردة واصفة وضعها قبل بدء الرحلة في ملكوت السماوات والأرض.. ” تحت جناح ملاك سماوي اختبأت عن أعين الدنيا”.. أي أن الراوية كانت تعيش حياتها المستقرة بعيداً عن كل ما يجري حولها وقد تشرنقت داخل بوتقة التقوى والإيمان “تحت جنح ملاك سماوي”، وبدون مقدمات خرجت البطلة من صومعتها وأدركت أنها كانت تعيش سنين في غيبوبة، تحتجزها وتأسرها ظلال صنعتها لنفسها بعيداً عن الدنيا، ولم تقدم لنا الكاتبة سبباً لهذا الخروج إلى هذه الرحلة.
بدء الرحلة
=====
بدأت رحلتها مع ملاكها السماوي وكأني أراها ركبت بسااط الريح مع مصباح علاء الدين كما في روايات ألف ليلة وليلة ليطوف بها في أرجاء الدنيا بهدف التعرف على الكون الذي عزلت نفسها عنها متقوقعة مع ذاتها “طاف بي ملاكي فوق مدن أصابتها تخمة النعيم”، من هنا بدأت الرحلة مع مدن الترف حد التخمة، التي تنزوي بثرائها في صومعة الرفاهية بعيداً عن كل ما يدور حولها، في هذا الجو المعطر بتخمة النعيم، أصاب الساردة حنين إلى أيام عاشتها في السابق ربما طفولتها أو شبابها، قبل أن تعزل نفسها عن الدنيا، حيث هبت نسائم تلك الأيام فأيقظت شوقها لممارسة الشهيق والزفير في عروق ذبلت، وهذا تعريف بالراوية وهي الكاتبة، إنسانة عادية ربما عاشت أيام فقر وشقاء قبل أن تعزل نفسها عن الدنيا في المدن المتخمة بالنعيم، وقدمت لنا المفارقة بين حياتها السابقة بعروقها الذابلة وحياتها في مدن النعيم حد التخمة.
تستمر الراوية في رحلتها عبر محيطات الفقر، دخلت مع ملاكها مدن الفقر وألقت السلام على أهلها فلم يسمعوا، لأن أذانهم لا تألف غير الشقاء، وتقدم لنا الكاتبة حياة هذا المجتمع المشغول عن الدنيا بالعمل الشاق حتى يتمكنوا من الاستمرار في حياتهم، فلم يلتفتوا إلى من يلقي إليهم السلام ولا يرغبون في معرفته فليس لديهم مجالاً للتوقف عن العمل ولا حتى مجرد رد التحية، لأنها من وجهة نظرهم تستقطع جزءاً من عملهم وهو يعني استقطاع من مصدر رزقهم، وتتذمر من تصرفهم قائلة: “تباً لهم لن يتعلموا كيف يسامرون الحياة على المرح” وأرى الكاتبة استعملت أداة النفي للمستقبل أي أنها لم تر في مستقبلهم أملاً في مسامرة الحياة مع المرح وأراها تقول للمتلقي ليس لديهم وقتا حتى للمرح لأن العمل والشقاء هو كل حياتهم في الدنيا.
توقف الرحلة
=======
بعد هذه الرحلة بين مدن الثراء المتخم ومحيطات العمل والشقاء، توقفت على خارطة صفراء، وهي خارطة الوطن العربي لأن كلمة صفراء، إشارة إلى كثرة الأراضي الصحراوية فيها، لفحتها نار وسموم، فحجبت بصرها فلم تر إلا سواداً ملوناً بالدماء، أوقفت الكاتبة قلب ومشاعر المتلقي على تلك المناطق الملتهبة من الوطن العربي على امتداد مساحة الخارطة الصفراء، ثم إلى بقعة لها وضع خاص في قلب وفكر الكاتبة “استوقفني قلبي أمام بقعة واسعة” وهي على ما أعتقد وطن الكاتبة وهو يعشعش في شجن وفكر وعواطف الراوية، لأن القلب يزاداد خفقانه بين الضلوع كلما لاح في العقل والفكر طيف من الوطن مع ما تحمله من ذكريات وأشجان. وبذكاء من الكاتبة تركت هذه البقعة دون تحديد كي تجعل كل متلقي يتخيل نفسه بطل القصة، فقد تكون هذه البقعة الواسعة على الخارطة سوريا أو العراق أو اليمن أو ليبيا وربما فلسطين.
نهاية الرحلة
======
جاءت نهاية الرحلة مع الحبكة المتقنة التي تم وضعها ببراعة، فقد أمعنت النظر في وطنها، ذهلت واحترقت من داخلها وتفتت شرايين قلبها وأجزاء جسدها لمنظر الحالة المأساوية والمزرية التي وصل إليها، حيث الدماء والدمار، فشعرت بجسدها ينثر رماداً، أسقطتها الرياح على شاهدة قبر، فتشكل رماد جسدها المحترق حروفاً سوداً على ما تبقى من الوطن، فهي تضحي بجسدها حفاظاً على الجزء المتبقي سليما من الوطن…. وأرى أن الكاتبة أرادت بهذه الحبكة أن تطلق صرخة مدوية لكل من يعبث بالوطن.. كفى.. كفى هذا القتل والدمار، حتى يبقى لنا وطن يدفء حياتنا ويحتضن رفاتنا.
كل التحية للكاتبة المتألقة هنادي بلبل وأرجو من الله العلي القدير أن يكون وفقني في سبر غور نصها الرائع.

النقد الأدبي يسعى إلى تحرير وعي النساء في كتاب: نقد الخطاب المفارق للدكتورة/ هـويدا صـالح ـ نقلا عن الجزيرة ـ مجلة دراسات نقدية (مختار أمين)

«نقد الخطاب المفارق… السرد النسوي بين النظرية والتطبيق»، كتاب جديد للأديبة هويدا صالح صدر أخيراً عن دار «رؤية للنشر»، يسعى إلى توطيد الصلة بين النقد الأدبي وتحرير الوعي النسائي. نقلا عن الجزيرة ـ مجلة دراسات نقدية (مختار أمين)

على هامش حوار مُتخيَّل

ترى هويدا صالح أن من المهم للنقد أن يسعى إلى تحرير وعي النساء من خلال إعادة الاعتبار لإبداعاتهن، ورفع الغبن اللاحق بهن، عن طريق استجلاء ما يكتبنه واستكشاف الكيفيات التي يقاربن من خلالها عوالمهن النفسية والوجدانية والجسدية، في محاولة للإمساك بالاختلاف القائم ما بين إبداع المرأة/ الكاتبة وإبداع الرجل/ الكاتب، وتقصي الخصوصيات الكتابية التي قد تنقض الصورة النمطية الشائعة عن المرأة في ما يكتبه الرجال والنساء.
ويسعى كتاب صالح {نقد الخطاب المفارق… السرد النسوي بين النظرية والتطبيق} إلى تفكيك الخطاب الذكوري وقراءة الخطاب الثقافي في إبداع النساء، وهنا تلاحظ هويدا صالح أن ثقافتنا العربية الذكورية تهيمن على لاوعي الكتاب والكاتبات إلى درجة أن النساء أنفسهن (كما يقول عبد الله الغذامي) ساهمن في ترسيخ هذه الهيمنة.
وتضيف أن زليخة أبو ريشة كشفت في كتابها {أنثى اللغة} عن ذكورية الخطاب في عمل كان لافتاً منذ سنوات، بل اعتبره بعض النقاد بداية موجة كتابة الجسد التي اعتبروها ميزة خاصة بأدب المرأة، وهي رواية {ذاكرة الجسد} لأحلام مستغانمي، وسبق لجورج طرابيشي أن قدم قراءة لرواية {مذكرات طبيبة} لنوال السعداوي، فلاحظ أنها تتبنى أيديولوجيا لاشعورية معادية للمرأة.
يتضمن الكتاب مقدمة ومدخلا وأربعة فصول، الأول عنوانه {كتابة المرأة بين الروحية والاجتماعية}، والثاني {المرأة والوعي الجنساني}، والثالث {ملامح الكتابة النسوية}، والرابع {الخطاب الثقافي والجمالي في السرد النسوي}، وفيه تطبيق على عدد من الروايات منها {أشجار قليلة عند المنحنى} لنعمات البحيري، و{العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء} لسلوى بكر، و{الخباء} لميرال الطحاوي، و{سلالم النهار} لفوزية  شويش السالم، و{الأسود يليق بك} لأحلام مستغانمي.
تؤكد المؤلفة فى كتابها على ضرورة إصدار سلسلة فكرية ثقافية تتبنى استراتيجية تقويض البنى الثقافية الذكورية واعتبار ذلك مشروع قومي لتخليص مجتمعاتنا من الثقافة الذكورية التي تضطهد النساء.

 

د. سيد الوكيل في قراءة.. لـ “حكايات صغيرة للشيطان” في رواية لسعيد نوح ـ مجلة دراسات نقدية(مختار أمين)

المبدع الزاحف، والمبدع اللاهث..
المبدع الزاحف على بطن السطح الأملس المائل للعلا؛ يرتقي أعلى قمة جبل المهنية السردية والاحترافية.. ذلك هو الروائي سعيد نوح..
والمبدع اللاهث وراء سلسبيل الحكاية ليروي ظمأه النهمي المعرفي في أصول فن الكتابة ليؤرّخ لها، ولمن يسطرها تاريخا في الإبداع الأدبي.. ذلك هو الناقد سيد الوكيل.
تحياتي لكما مبدعان في زمن ينتحر آخر ما فيه من خير..
مختار أمين
 
د. سيد الوكيل يكتب: حكايات صغيرة للشيطان في رواية لسعيد نوح
 
عند الإشارة إلى إصدار جديد للروائي سعيد نوح، يصعب الكلام عنه منفردا دون الالتفات إلى مجمل التجربة الروائية عنده، فعلى الرغم من زهده في المتابعات النقدية لأعماله، إلا أنه لايتوقف عن نقد نفسه ومراجعة تجربته وتأملها وتطويرها باستمرار. فسعيد نوح يمتلك ذاتا مبدعة بحق، بمعنى انه يعيش في حالات متناوبة من القلق الوجودي تجاه الواقع ومن ثم تجاه ذاته، لهذا لانندهش عندما يصدّر روايته الأخيرة (حكايات صغيرة للشيطان) بقوله: “حين يعمد الكاتب إلى الاقتباس من تجاربه السابقة لا يتحتم عليه سوى الإنصات للتبادلات والتوافقات الجديدة، فإذا كانت تستحق كان بها، وإلا فلا، فعند ذلك لابد تنقص ثقتنا فيه”.. يعكس هذا التنبيه الموجه للقاريء حجم القلق والتخوفات من سوء الفهم، والتسرع في الأحكام العامة والمرتجلة بغير إنصات لطبيعة حراك الدوال ولأنساق المضمرة في مجمل تجربته.
 
هذه الطبيعة السردية القلقة هى التي تدفعه للتجويد والتنقيح حتى عند إعادة طبع الأعمال التي صدرت بالفعل، فحتى روايته الأولى (كلما رأيت بنتًا حلوة أقول ياسعاد..) جاءت الطبعة الثانية بعد عدة سنوات بتغيرات كبيرة عن الطبعة الأولى. وهكذا يضع سعيد نوح نقاده في مأزق، إذا عليهم مع كل إصدار جديد له، أن يراجعوا مجمل إصداراته السابقة، وما لم يكن الناقد عارفًا بمجمل تجربته وتفاصيلها يظل حكمه النقدي منقوصًا ومشوشًا.فلا يمكن للناقد التعامل مع أعماله وهو آمن من التسريبات التحتية المفضية إلى عمل سابق، وكأنما ينقل قلقه إلى النقاد، متمثلًا مقولة عميد الأدب العربي طه حسين: “إن الكاتب إذا اطمأن فسد” فطوبى لناقد يجدد ذاته حتى لاتفسد.
 
لكن هذه الخاصية لها فوائد نقدية أيضًا، فيمكننا ملاحظة المراحل التي تمر بها تجربته وهى تبدأ من الاهتمام بالشخصاني والحميم الملتصق بالذات عندما كتب في أوائل التسعينيات سردية في رثاء اخته سعاد، فألهمت قطاعًا كبيرا من كتّاب جيله ليكتبوا عن ذواتهم ومفردات جياتهم اليومية بدلًا من الكتابة عن كيان هيولي اسمه (الواقع) أضنى الستينين في محاولات عبثية لفهمه. حتى عندما جرب التسجيلية الاجتماعية وهو يؤرخ لحي منشية ناصر في رواية( 61شارع زين الدين) لم يتخل عن هذا البعد الشخصاني، إذ ظل التأريخ له ولأسرته مرادفا لتاريخ المنشية كلها وممتدا لتاريخ مصر مابعد ثورة 1952. وفي عام 2008 ظهرت رواية( ملاك الفرصة الأخيرة) لتكون بداية المرحلة الأسطورية، ثم تأتي ( حكايات صغيرة للشيطان ـ 2016) استكمالًا لها.
 
وكما هو واضح من عنوانها، هى بمثابة تفسير أسطوري ( حكائي) لمفاهيم دينية وصوفية وتفسيرات قرآنية كتفسيرة للآية الكريمة : ” وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31 ) وثم تفسيرات توراتية كتفسيره لقصة بابل، يلعب فيها الخيال دورًا كبيرًا ومدهشًا، ويميزه عن مستويات الواقعية السحرية إلا في لحظات قليلة، عندما يربط بين التصور الأسطوري وملابسات الواقع في قصة الأم التي فقدت أربعة من أطفالها، دهسهم القطار دفعة واحدة. لكن الجانب الأكبر من الرواية رهن بقصة الخلق وملابساتها وتجلياتها الصوفية عندما تشهد الكائنات والجبال والملائكة والجن وحتى الشياطين بعظمته وجلاله.
 
إن الرواية مفعمة بالحكايات الصغيرة، لهذا فإن معالجة السرد بوصفه موضوعًا عامًا للرواية تأتي مبررة فنيًا، رغم التباسها بمفاهيم غير علمية موشاة بالعرفانيات تارة وبالقصص الديني أخرى وبالأساطير أخيرة. من ذلك قصة( الطماع) عندما هبط أول الطماعين من السماء إلى الأرض: ” راح يحكي عما رآه، ربما أعاد الحكاية آلاف المرات من أجل الأموال والمجد، حكي من أجل لقاء الملك، أفاض في الحكي وفي لقاء الملك ذاته أخبره عن الثلاثة الآخرين! حكى لسمكة في يد صياد أعجبته، سرد من أجل تتبعه للجمال.. إلخ”.
 
وإذا كانت الحكايات تؤكد فتنة السرد، فإن اللغة تميز فتنتها الخاصة عند سعيد نوح، لتبدو- هى- في حد ذاتها بطولة جمالية تسري في كل الحكايات، على الرغم من افتتاحه لبعض الحكايات بموتيفات السارد الشعبي التقليدية، كقوله: ” أعلم أيدك الله بروح منه ” أو قوله: ” لكل منا حكاية ياخلان، لابد من وجود الحكايات كي نرى الجميل قبيحًا والقبيح جميلا”
 
حكايات صغيرة للشيطان ـ رواية لسعيد نوح ـ دار الراية للنشر والتوزيع ـ القاهرة 2016م

قيمة الكتاب في الحضارة العربية الإسلامية بقلم: د. يسري عبد الغني عبد الله (باحث وخبير في التراث الثقافي)

قيمة الكتاب في الحضارة العربية الإسلامية
بقلم: د. يسري عبد الغني عبد الله (باحث وخبير في التراث الثقافي)
________________________________________
كان العرب يكنون كل الحب والتقدير والإجلال للكتب، وفي كتب التراث العربي الإسلامي يكثر أن يتحدث العربي عن الكتاب فيخدع القارئ حتى يظن أن العربي يتكلم عن صديق عظم وده وزاد إخلاصه، أو حبيب طال بعده وكثر الشوق إليه، أو أستاذ رائد يقود المتكلم للطريق المستقيم، ويأخذ بيده إلى الغاية الرشيدة.
أصدقاء لا نظير لهم:
أرسل بعض الخلفاء في طلب بعض العلماء ليسامره، فلما جاء الخادم إليه وجده جالسًا وحواليه كتب، وهو يطالع فيها باهتمام، فقال له: إن أمير المؤمنين يستدعيك. فقال العالم: قل له عندي قوم من الحكماء أحادثهم، فإذا فرغت منهم حضرت. فلما عاد الخادم إلى الخليفة وأخبره بذلك، غضب الخليفة غضبًا شديدًا، وقال له: ويحك، من هؤلاء الذين كانوا عنده؟، فقال الخادم: والله يا أمير المؤمنين ما كان عنده أحد. قال الخليفة: ويكذب أيضًا؟! ، فأحضره الساعة كيف كان، فلما حضر ذلك العالم قال له الخليفة: من هؤلاء الحكماء الذين كانوا عندك؟

قال يا أمير المؤمنين:
[ هم جلساء ما نمل حديثهـم آمينون مأمونون غيبًا ومشهدا
إذا ما خلونا كان خير حديثهـم معينًا على نفي الهموم مؤيدا
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى وعقلاً وتأديبًا ورأيًا وسؤددا
فلا ريبة تخشى ولا سوء عشرة ولا نتقي منهم لسانًا ولا يدا
فإن قلت: أموات فلست بكاذب وإن قلت أحياء فلست مفندا]
فعلم الخليفة أنه يشير بذلك إلى الكتب، ولم ينكر عليه تأخره.

كتب
الجاحظ وتقدير الكتب:
ومن الحق أن نذكر أن الفضل في تقدير الكتب يرجع إلى شيخ العربية الأكبر/ الجاحظ الذي وجه الناس إلى الكتاب وقيمته، والنثر وفائدته، وكان الاتجاه العام قبله ينحاز انحيازًا شبه كاملاً للشعر ودواوين الشعر، حيث أن لسان الحال كان يقول: الشعر هو ديوان العرب أو هو فن العربية الأول وليس له أي منازع، فلما جاء الجاحظ وتسنم ذروة المجد، وجه أنظار الناس إلى الكتابة والكتب مبينًا لنا ما فيها من علم، وما تحتوية من معارف.
ومن عبارات الجاحظ في هذا المجال: لا تضر به حداثة سنه (أي الكتاب)، ولا قرب ميلاده، ولا رخص ثمنه، يجمع بين السير العجيبة والعلوم الغريبة، ويضم آثار العقول الصحيحة، والتجارب الحكيمة، وأخبار القرون الماضية، والبلاد النازحة، ومن لك بزائر إن شئت كانت زيارته غبًا، وإن شئت لزمك لزوم الظل، وكان منك مثل بعضك.
ولكتاب صامت ما أسكته، وبليغ ما استنطقته، مسامر لا يبتديك في حال شغلك، ويدعوك في أوقات نشاطك، ولا يحوجك إلى التجمل له والتذمم منه، وهو جليس لا يطريك، وصديق لا يغريك، ورفيق لا يملك، ولا يخدعك بالنفاق، ولا يحتال لك بالكذب.
ومما حكي عن الجاحظ أيضًا أنه قال: دخلت على محمد بن إسحاق أمير بغداد، في أيام ولايته، وهو جالس في الديوان، والناس مثول بين يديه، وكأن على رؤوسهم الطير، ثم دخلت إليه بعد مدة وهو معزول وهو جالس في خزانة كتبه وحواليه الكتب والدفاتر والمحابر والمساطر ، فما رأيته أهيب منه في تلك الحال!!.
وقد استجاب الناس لنداء شيخنا الجاحظ وفكرته، فأقبلوا على الكتب وقدروها حق قدرها، فهاهو الوزير / محمد بن عبد الملك الزيات، الذي طالما أحب الأدب والأدباء وساعدهم، وأخذ بأيديهم وشجعهم، الزيات يعتكف عن الناس فترة من الزمن وينوي الجاحظ أن يزوره في منزله ليطمئن على أحواله، ويفكر في شيء يهديه إليه، فلم يرقه شيء مثلما راقه كتاب سيبويه في النحو، ويتسلم ابن الزيات الهدية قائلاً للجاحظ: والله ما أهدي لي شيء أحب إلي منه.
ولكن الكتب التي أبرز الجاحظ قيمتها وأعلى قدرها لم تبر به بل قست عليه، وكان بها حتفه، فقد روي أن موته كان بوقوع مجلدات عليه، وكان من عادته أن يصفها قائمة كالحائط محيطة به وهو جالس وكان عليلاً فسقطت عليه.
ولكن الجاحظ مات بعد أن نجح نجاحًا تامًا فيما قصد إليه وبعد أن ذاعت بين الناس أفكاره، وعمقت مبادئه.
يروي محي الدين بن العربي عن أحد العلماء أنه قال: ما رأيت بستانًا يحمل في ردم، وروضة تنقل (في) حجر، ينطق عن الموتى ويترجم عن الأحياء مثل الكتاب، فملك بمؤنس لا ينام إلا بنومك؟ ولا ينطق إلا بما تهوى؟، أكتم للشر من صاحب السر، وأحفظ للوديعة من أرباب الوديعة، ولا أعلم جارًا أبر، ولا خليلاً أنصف، ولا رفيقًا أطوع، ولا معلمًا أخضع، ولا صاحبًا أظهر كفاية وعناية وأقل إملالاً وإبرامًا، ولا أترك لشغب، ولا أزهد في جدال، ولا أكف عن قتال، من كتاب.
بين العلم والخداع:
كان الوزراء والمستشارون الذين وضعوا أيديهم على السلطة في فترات كثيرة من التاريخ العربي الإسلامي يدركون جيدًا ما للكتب من قدرة على تثقيف العقول وتكوين الأخلاق والبطولة ،ومن أجل هذا كانوا يقدمونها إلى الخلفاء الضعفاء حتى لا يحيوا نفوسهم ويكونوا شخصياتهم.
روي أن الخليفة العباسي / المكتفي بالله علي بن المعتضد بالله (289 هـ ـ 295 هـ ) طلب من وزيره مرة مجموعة من الكتب يقطع بمطالعتها زمانه، فتقدم الوزير إلى نوابه بتحصيل ذلك ، وعرضه عليه قبل حمله إلى الخليفة ، فحصلوا شيئًا من كتب التاريخ وفيها شيء مما جرى في الأيام السالفة من وقائع الملوك وأخبار الوزراء ومعرفة التحيل في استخراج الأموال (فرض الضرائب أو الرشاوى أو استغلال النفوذ )… فلما رأى الوزير هذه الكتب قال لنوابه: والله إنكم أشد الناس عداوة لي ، فقد حصلتم له مصارع الوزراء، ويعلمه الطريق إلى استخراج الأموال ويعرفه خراب البلاد من عمارتها، ردوها على الفور وحصلوا له كتبًا فيها حكايات تلهيه وأشعارًا تطربه!!.
وقد صدق المتنبي الشاعر العربي الكبير إذ يقول:
[أعز مكان في الدنى سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب]
ونذكر في هذا الصدد قول الشاعر والأديب/ عبد الله بن أحمد بن الخشاب:
[وذي أوجه لكنه غير بائح بسر وذو الوجهين للسر مظهرو
تناجيك بالأسرار أسرار وجهه فتفهمها ما دمت بالعين تنظر]
ولتأليف الكتب قواعد وأصول:
وبمناسبة الكلام عن الكتب التي طلبها وزير الخليفة المكتفي بالله العباسي (الخليفة رقم 17 في سلسلة الخلفاء العباسيين ببغداد) من أجل أن تلهيه وتسليه، ولا تقدم له بالتالي أي نوع من الثقافة أو الفكر المفيد، ولعل هذا يذكرنا بما نراه في أيامنا هذه في المكتبات وعلى الأرصفة من كتب تغمر الأسواق، وهي لا تحمل فكرًا، بل تحمل لهوًا ما هو إلا غثاء أحوى هدفه العودة بنا إلى الوراء مئات السنين، وقد فات أصحاب هذا اللهو التافه والكلام الرخيص أن قيمنا وثوابتنا تدعونا إلى الفكر الجاد الذي يعمر ويبني، ويدعو إلى الخير والحب والتسامح والإيجابية من أجل واقع أفضل لنا جميعًا.
وفي هذا الصدد أحب أن أقول حقيقة علمية تعلمناها من شيوخنا وأساتذتنا الأجلاء ألا وهي أن التأليف صناعة وموهبة، وهما لا يتوافران للكثيرين من الذين يتجهون للتأليف، حتى كدنا أن نقول أن التأليف أصبح مهنة من لا مهنة له، يقوم به كل من هب ودب.
والعجيب أن الإنسان لا يمكن له أن يشتغل بالطب وهو لم يتعلمه ويتدرب عليه، ولا يشتغل بالتجارة وهو لا يجيدها، ولا بالهندسة وهو لا يعرفها، ولا بالدين والدعوة وهو لم يدرسه ويتعمق فيه عبر معاهد علمية محترمة معترف بها، ولكن الكثيرين في أيامنا هذه يشتغلون بالتأليف وهم غير موهوبين فيه، كأنما يتحتم أن يكون كل الناس مؤلفين !!
ولا يطعن كلامنا هذا في معارف هؤلاء، فالإنسان قد يعرف شيئًا، أو قد يعرف الكثير مما قرأه أو سمعه، ولكن المعرفة وحدها لا تسمح لأي إنسان بالتأليف، فالتأليف صناعة وموهبة ودربة وتمكن، يحتاج إلى قدرة أو فلنقل: آلية في التخطيط، والإطلاع، والتحليل، والنقد، والمقارنة، والوعي، والمتابعة الدائمة، والأداء الجيد الواضح … كما يحتاج في نفس الوقت إلى قدرة لمعرفة ما يحتاج له الناس، وقليل أولئك الذين تتوافر فيهم هذه القدرات.
لقد مارست الكتابة والتأليف أكثر من 40 عامًا، فقابلت خلالها إناسًا لا يجيدون كتابة خطاب من عدة سطور، ولكنهم أضحوا بقدرة قادر من الأدباء والشعراء والمؤلفين .. فلا حول ولا قوة إلا بالله ..
والله ولي التوفيق
يسري عبد الغني عبد الله

الناقدة: انتصار كمون رباعي في قراءة.. “هوية النص الإيقاعية وتشظي العتبة نموذجا” في نص “شهيد الشبّابة” للكاتب: محمود عودة

هوية النص الإيقاعية وتشظي العتبة نموذجا
النقد: انتصار كمون الرباعي
شهيد الشبّابة.. قصة قصيرة بقلم الكاتب/ محمود عودة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقدمة:
تغلب على الإنسان عاطفته فيصفق فرحا أو يبكي نشيجا حزينا فيعبر عما في مكامن النفس الإنسانية من عواطف أو ما يختلج بنفسه وهو بذلك يحدث إيقاعا.. والموسيقى نوع من أنواع الإيقاع وقد وجد هذا الإيقاع أوالنغم على الأرض بوجود الإنسان فهو ملازم لحياته.. فاختلفت لذلك التنسيقات النغمية، وسلطة النظام الموسيقي عنده. 
أوَّلا: العنوان وموسيقاه:
أ ـ تشظي العتبة:
الموسيقى قد تعتمد في تقنياتها على فنيات معينة ومختلفة نسميها هنا تشظي عتبة النص ونقصد أن تكون عتبة النص تكرارا بؤريَّا وإزاحة ذات دلالية دائرية. وقد تبتدئ مع حروف المد وبتزاوج الحروف والكلمات. فتتمظهرالموسيقى بجرسيتها وعلاقتها النغمية مع الحرف بحيث تنعكس مع خلفية الحالة الانفعالية في نفسية الكاتب والحراك الأدائي للعنوان والانفتاح الدلالي لاهم مقاصده الجزئية فتاتي متجانسة نغمية النص. فهناك ارتباط وثيق بالدلالة المنبعثة أساساً من الصياغة اللغوية لعنوان النص التي هي بمثابة سلسلة من الحركات الصوتية المقترنة والنابعة من الحركات الفكرية ومن ثمة تأتي حركة تمكزها الأساسي من خلال الصياغة السردية وتفاعلها مع كلية النص فتتكون لذلك علاقة تأثيرية بين الإيقاع والدلالة وأقصد بها فاعلية العتبة / العنوان مع اللغة والمعنى.
ب ـ موسيقى العنوان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منذ العنوان تنبعث تلك الأنغام الحزينة …..
_شهيد الشبابة _
في هذا المركب الاضافي نستمع الى موسيقى داخلية متأتية من الشين حرفا أوَّل.. جمع بين كلمتي الشهيد و الشبابة
أنها شين الشهيد..
شين الشجن..
شين الشجى..
شين الشرور ..
شين الشوارع
شين الشدّة والشقاء
هي شين في الشبابة
شين للشدو والشادي
شين الشذى والشفاء
شين الشعوب والشباب ….
هكذا ومنذ البدء هتفنا معا ذاك النشيد وعزفت شبابة سعيد لحنا شجيّا شيّع جنازة بطل شهيد …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانيا: الموسيقى بين وزن و رمز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للموسيقى حضور في النص
بدا كثيفا من خلال تعدد الألفاظ المحيلة على عالمها الجميل..
ونبدأ بالشبابة تلك الآلة الموسيقية التي يمكن أن نعتبرها بطلة فاعلة وشخصية نامية في عملية القص ..
بدأت بفعل إصدار الأنغام تعبيرا عن مجرد حب صاحبها للموسيقى
و انتهت بفعل نضالي واع
تمثل في تبليغ رسالة للمساجين فيها استنهاض للهمم ودعوة للصمود وعدم الاستسلام…
ومن المعجم الموسيقي الموجود في النص نذكر (الموسيقى _الغناء _الشدو _الشبابة _ينشد _ أنغامه _…….)
وللشبابة قيمة دلالية
إذ مثلت صوت الحرية وصرخة الثائر وأنّة السجين
إنها رمز لحرية التعبير والرأي …
والموسيقى مع الكلمة الهادفة تمثلان شكلا من أشكال التعبير عن الرأي وطريقة من طرقه..
فالألحان ترفه عن اللاجئين والمبعدين وتمنحهم والمساجين أملا جديدا في الغد الأفضل كما تمكنهم من حرية بديلة وقتية قد يجدونها في الألحان العذبة والكلمات عميقة المعاني ..
وتدفع الشعوب المضطهدة الى النضال حاثة إياهم على الصمود…
ولنا في قصائد الشابي المغناة خير دليل على دور الموسيقى والغناء في تغيير حال الشعوب وبث الوعي في صفوفهم وجعلهم يؤمنون بأن الحياة إرادة
وكم رددت شعوب العالم و أنشدت
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
وكم كان لأناشيد الثورة الفلسطينية وقع على السامعين الثائرين قبل الانتفاضة وبعدها
وبقيت تلك الكلمات والألحان ذات الايقاع الحماسي السريع النشيط الحي خالدة
مازلنا نرددها بكل حماس وعزم:
أناديكم أشد على أياديكم وأبوس الأرض تحت نعالكم وأقول أفديكم ….
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثالثا: وحدات النص الإيقاعية
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الموسيقى العلائقية:
أ ـ علاقة البطل / الطفل بالموسيقى
لقد كان الطفل في الجزء الأول من النص وأقصد من البداية الى قول الكاتب
(هزيعا) محبا للموسيقى عاشقا لها…
تجسد عشقه في عزف دائم و تعلق طفولي بالشبابة ..
إنه ينطلق معها منشدا مرددا أعذب الألحان والأغنيات …
ب ـ علاقة الموسيقى بالطفل /البطل
مثلما نما عشقه للموسيقى على حد تعبير الكاتب في بداية القصة
نما عشقه للوطن من خلال ترديده اليومي لكلمات النشيد الوطني (في طابورالمدرسة)
هناك في زمن ما قبل الانتفاضة كان سعيد سعيدا رغم الاحتلال تتفاعل معه طبيعة قريته بأوراق أشجارها وأشعة شمسها واتساع فضاءاتها _فما زال على تلك الأـرض ما يستحق الحياة _والغناء والانطلاق و الفرح و اللهو مع العصافير و المرح…
2 ـ موسيقى الزَّمن/ الحلم ..
أ ـ موَّال الحلم:
لقد عاش الطفل البداية في زمن حلم.. قد يبدو للطفل جميلا رغم قبح واقع الاحتلال ثم استيقظ منه على حدث الانتفاضة وغياب والده المتكررعن البيت..
هكذا تبدأ الوحدة الثانية من قول الكاتب (اندلعت الانتفاضة) وتتواصل إلى آخر القصة أي إلى حدث الاستشهاد
وفي هذا القسم انزياح كما نلاحظ في مستوى الزمان..
تزامن مع انزياح في مستوى تعامل الشخصية مع آلته المفضلة وموسيقاها ..
لقد نسي الانطلاق واللعب وانضم الى صفوف أطفال الحجارة ( يغلف كل حجر بنغمة شبابة أو موال)
إذ لم تفارقه الأغاني و لم تسلبه الحرب وويلاتها حبه للموسيقى ونغماتها
لكن الطفولة هي التي فارقته اذ أن مواضيغ ترانيمه قد نضجت وصارت أكثر التزاما وباتت كلها تتغنى بفلسطين الحبيبة (شباب الفدا يا شباب الفدا فلسطين نادت فلبوا الندا) وصار شبلا من أشبال هذا الوطن
ب ــ موَّال المواجع
يمشي على الجمر شبل ..
طفل ولكن مقاتل
.وحين يتعب
يعلو صوت الفدى ..
فيواصل) …
لقد كبر رغم أنفه ..
وكبرت معه شبابته ..
ونضجت ألحانها ..
اعتقلت معه كما اعتقل ..
وناضلت كما ناضل …
وأعلن صحبتها الفرح في المعتقل رغم الوجع والالم
هو شكل من أشكال التحدي الأسطوري للشعب الفلسطيني شعب لا يهاب الموت.. يحب الحياة و الغناء والموسيقى .. قاهرا بذلك حقيقة: أرضه السليبة التي صارت بها وجوه غريبة
هكذا تنغلق القصة بمشهد حزين إذ طالعنا الطفل شهيدا من شهداء الرأي و التعبير …
فعندما علا صوته بالغناء و قال ( لا للقهر / لا للظلم والطغيان / لا والف لا )
أدرك أنّ الأغاني ما عادت ممكنة وأن الصهاينة أو المدينة قد كنست كل المغنين وريتا كما يقول درويش..
ج ـ موَّال الانبعاث
أن مشهد النهاية لا يعبر عن الموت رغم حضور معجمها (المدججة _الرصاص _سقط _مخضبة _الدماء )
وإنما عبر ذاك المشهد على الحياة اذ يتواصل النشيد ولا تنقطع المواويل
هي أناشيد لفلسطين للأرض لكل وطن مغتصب حزين ونظلّ نغني كما يقول الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم:
حنغني دايما حنغنّي / و نبشّر بالخير و نمنّي /و نلفّ الدنيا الدوارة /على صوت النغمة الهدّار/ معانا المشرط و البلسم / في الكلمة الصاحية النوّارة / هو احنا كده / و حنبقى كده / ماشيين عارفين مع مين على مين/…
الخاتمة:
توفر عتبة النص توازنا بالعناصر الموسيقية وبنظامها المحكم في الحركات والسكنات فتُكَوِّنُ العتبة / العنوان تموجات نغمية منتظمة متسلسلة ليس فيها اضطراب و لا نشاز وتمضي محتفظة بالرنين نفسه إلى نهاية النص السردي لكأننا نسمع إلى موسيقى منتظمة في اهتزازاتها وموجاتها الصوتية لانسجام الألفاظ بعضها مع بعض و دقة اجتماعها بعضها إلى بعض حتى تألف بما تمنحه من ايحاء قوة ذاتية و يجعل لها من التركيز والتأثير ما لا يكون لها في السرد.
إننا نتأثر بالموسيقى و نستجيب لها، واللغة المتشظية للعنوان تبدوتنظيما موسيقيا للكلام، فإذا سمعته الأذن شعرت بالطرب الذي تشعر به حين تسمع الموسيقى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النقد: انتصار كمون الرباعي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصة قصيرة
شهيد الشبّابة.. قصة قصيرة بقلم الكاتب/ محمود عودة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شهيد الشبّابة
حبه للموسيقى سرى في شريانه نمى وترعرع عاشقاً للغناء والشدو على الشبّابة.
تألق بشبّابته البسيطة وصوته الرخيم ينشد يوميا في طابور المدرسة الصباحي، تتعانق حروف كتابه الدراسي مع شبابته تحت إبطه، تظلل جسده النحيل شجرة التوت القابعة على تلة كديدبان، يحرس القرية، يبث أنغامه، تسري مع تراقص أوراق الشجرة، تتناغم مع أشعة شمس العصرية الذهبية، بعيداً عن ضجيج أخوته الصغار وتقريع والدته، منتهزاً غياب والده نهاراً وهزعاً من الليل.
اندلعت الانتفاضة توقف عمل والده، ذعر لغياب ولده المتكرر عن البيت.. ثار وصب جام غضبه عليه، وهو يصرخ بعنف الدراسة أهم من عبثك، هدأ واشرأب رأسه بالفخر وهو يرى سعيد ينضوي مع شباب وأطفال الانتفاضة، يغلّف كل حجر بنغمة شبابة أو موال مدح وتحفيز شباب الفدا يا شباب الفدا فلسطين نادت فلبوا الندا.
الرجولة تسللت إلى جسده يوم اعتقلته قوات الاحتلال وفي يده حجر ومقلاع وشبّابة.
قهره الأسر بحكم جائر، تألق بفنه مرفهاً عن الأسرى بمواويله بعد أن غافل
الحراس وامتلك شبّابة أصبحت مواويله شفرة سرية بين السجناء كل منها له معنى محذرا الأسرى، في باحة السجن فترة الاستراحة النادرة تحلق حوله الأسرى وهو يشدو بشبّابته ويرتفع الصوت بالمواويل مع الدبكة تحديا للحراسة المدججة المحاصرة للباحة ويرتفع الصوت بالمواويل مع رقصة الدبكة.
استشاط الجنود غيظا، تطاير الرصاص تفرّق الأسرى، سقط سعيد ويده تقبض الشبّابة وشفتاه المخضبتان بالدماء تتمتمان بالمواويل.

التأثير والتأثر بين الموضوعات والنماذج الأدبية (رؤية مقارنية) بقلم/ د. يسري عبد الغني عبد الله (باحث وخبير في التراث الثقافي)

التأثير والتأثر
بين الموضوعات والنماذج الأدبية
(رؤية مقارنية)
بقلم/ د. يسري عبد الغني عبد الله (باحث وخبير في التراث الثقافي)
____________________

أولاً: الموضوعات الأدبية:-
يتحدث الباحثون في الآداب المقارنية عن الموضوعات الأدبية، ويتابعون انتقالها من بلد إلى آخر، ويلاحظون ما يطرأ عليها من تحويرات أو تعديلات، ويوجهون جل اهتمامهم إلى دراسة الموضوعات والنماذج والشخصيات التي ولدت آثاراً أدبية.
والموضوع يمثل اللبنة الأساسية أو المادة المحورية التي تتنوع أشكالها على يد الكتاب والشعراء، وتتحد في إطار ما يسمى بالموقف الأدبي، وقد ينقل الموضوع من كاتب إلى آخر.
كما أن الكتاب يتأثر بعضهم ببعض، وقد يتقاربون في معالجتهم لهذه الموضوعات.
وهناك موضوعات تسمى الموضوعات التقليدية التي غاب أصلها الأدبي مع مرور الزمان، أو في غياهب الزمن، فلم نعلم عن انتقالها من بلد إلى بلد شيئاً كثيراً، وذلك مثل: أسطورة (جبل الحبيبين)، وأسطورة (خاتم سليمان)، وأسطورة (طاقية الإخفاء)، وأسطورة (الشحاذة الطيبة الجميلة التي تتزوج ملكاً).. فكل واحدة من هذه الأساطير كانت موضوعاً لكاتب أو أكثر من كاتب في الأدب العالمي حيث خلع عليها من فنه الكثير، فحملت خصائص فنه وإبداعه.
وللموضوع مواقف عامة ومواقف خاصة، تقوم على التفصيلات التي يبتدعها كل كاتب من عندياته، وتعد تحديثاً أو تجديداً لموضوعه الذي يتناوله.
ويمكن أن تقوم المقارنة الأدبية بين عدة كتاب تناولوا هذا الموقف أو ذاك من هذه المواقف، ومن الممكن أن يكون أحدهم قد أثر في الآخر، بطريقة أو بأخرى، وذلك أمر مشروع، لا ضرر ولا ضرار فيه.
وفي وسع أمثال هذه الدراسات المقارنية ـ وهي نادرة في الواقع ـ إذا تناولت مثلاً موضوع الغيرة أو الانتقام أو التضحية في سبيل الواجب، في وسعها أن تلقي ضوءاً قوياً كاشفاً على عبقرية مختلف الكتاب وفنهم، كما تلقي نفس الضوء على تطور العواطف في جمهورها.
كما أن بعض الدراسات المقارنية في الأدب تتناول الصور المختلفة لمعالجة الأدباء لشيء من الأشياء، أو عادة من العادات، أو سلوك من السلوكيات، أو معتقد من المعتقدات، أو قيمة من القيم، أو عرف من الأعراف ،وذلك خلال العصور المختلفة في مختلف الآداب، مثل: الانتقام، أو الأخذ بالثأر، أو لعبة الشطرنج، أو عادة التدخين أو تعاطي المخدرات، أو غير ذلك من النواحي الإيجابية أو السلبية.
ومثال ذلك: مسرحية (فاوست ) للشاعر الألماني / جوته، تتناول قضية عامة هي التردد بين العقل والقلب .
في أول المسرحية نرى فاوست شقياً كل الشقاء بعقله، ويهم بالانتحار، ثم يتولد فيه الأمل، ويأخذ في نشدان السعادة، عندما يبدأ في التفكير في التقدم والمستقبل، ويظل على هذا طوال الجزء الأول من المسرحية.
وينتهي هذا الجزء بنجاة (مرجريت) منه، ومن روح الشر المسيطرة عليه، وتفضل البقاء في السجن والبعد عن حبيبها، وفي الجزء الثاني من المسرحية يظل فاوست منغمساً في تجارب الحياة المادية، إلى أن يتعرف على (هيلين) رمز الجمال الخالص، فيهتدي عن طريقها إلى الخير والعفة والفضيلة.
وهذه القصة نفسها هي التي تمثل محور الموقف العام في مسرحية توفيق الحكيم (شهر زاد)، فقضية العقل والقلب ذات أثر واضح فيها، بما يبين ويوضح لنا التأثر الأدبي للكاتب المصري/ توفيق الحكيم، بالشاعر الألماني/ جوته.
ونفس الأمر نجده عند الشاعر الإنجليزي/ بيرون في مسرحيته التي عنوانها (منفرد)، حيث تأثر كذلك في بعض الوجوه بموقف جوته في مسرحيته (فاوست).
ومسرحية (منفرد)، لبيرون نشرت عام 1887 م ، وفيها يظهر الساحر (منفرد) فريسة لليأس والندم بسبب حب آثم فيه قضى على محبوبته، ويدعو لنجدته برقاه السحرية أرواح الأرض والسماء ، التي تعجز عن أن تهدي إليه نعمة النسيان، ويحاول الانتحار، ولكنه ينقذ ، ورغم ذلك يأبى الخضوع للأرواح الشريرة، ثم يظهر شبح المحبوبة، وتأبى أن تغفر له ما فعله بها، وتتنبأ بموته في الغد.
وفي لحظة موت الساحر (منفرد) تظهر أرواح الشر، فيأبى أن يخضع لها، كما أبت (مرجريت) في مسرحية (فاوست) لجوته، أن تخرج من سجنها جزعاً من روح الشر.
ويلعن (منفرد) الشياطين لأن الجرائم لا يصح بحال من الأحوال أن يعاقب عليها بجرائم مثلها، فعذاب الضمير أعظم ألماً من عذاب الجحيم.
ويجدر بالذكر هنا أن توفيق الحكيم له مسرحية من فصل واحد عنوانها (نحو حياة أفضل)، كتبها سنة 1955 م، ونشرها ضمن مجموعته (مسرح المجتمع) سنة 1956 م، وهذه المسرحية نلمح فيها تأثر الحكيم الواضح بفاوست الذي تعاقد مع الشيطان.
ومسرحية (أوديب الملك)، التي كتبها الشاعر اليوناني/ سوفوكليس، الذي عاش في الفترة ما بين عامي 496 و 406 قبل الميلاد، موضوعها سلطان القدر الساحق، الذي قد يحول انتصارات المرء إلى هزائم، وهزائمه إلى انتصارات، ومادة موضوع أوديب أسطورة يونانية شهيرة، وقد تأثر بها توفيق الحكيم في مسرحيته التي نشرها سنة 1949 م، بعنوان (الملك أوديب).
وإذا كان أوديب سوفوكليس يعاني من مشكلة البحث عن الحقيقة، فإن أوديب توفيق الحكيم يعاني من مشكلة الصراع بين الحقيقة والواقع.
ومن المعروف أن للكاتب/ علي أحمد باكثير مسرحية عنوانها (أوديب)، قال: إن هدفه من كتابة هذه المسرحية محاولة تشخيص مشكلة سياسية وطنية هي مشكلة فلسطين.
والذي نراه أن هدف باكثير من هذه المسرحية هو هدف ديني بحت، حيث أنه يهاجم البدع التي أخذت تشيع وتنتشر في البيئات الإسلامية منذ العصر الفاطمي، ويقوم على رعايتها والترويج لها طبقة من المتاجرين باسم الدين، الذين يجمعون الأموال من السذج باسم الدين أو باسم الدفاع عنه.
وفي نفس السياق نجد مسرحية (بجماليون) التي نشرها توفيق الحكيم سنة 1943 م، يتأثر فيها بمسرحية (بجماليون) ، للكاتب الإنجليزي / برنارد شو، وإن كان توفيق الحكيم يحاول أن يطرح على بساط الواقع مسألة التردد بين مثالية الفن وواقع الحياة، عكس برنارد شو الذي طرح مشكلة الطبقية.
على كل حال فإنه يمكن أن يبدو لدارس الأدب المقارن مثل هذه التأثيرات في مجال الرواية أو الأقصوصة أو حتى الشعر كما بدا في المسرحية، ويكشف البحث المقارني عن نواحي التأثير في المواقف التي أوصلها بعض الدارسين المحدثين إلى أكثر من مائتي ألف موقف.
ثانياً: النماذج الأدبية:
يمكن لنا تقسيم هذه النماذج الأدبية إلى طوائف:-
الطائفة الأولى:
وهي النماذج الإنسانية، وتتصل بالأدب المقارني إذا انتقلت من أدب إلى آخر .
والنماذج الإنسانية العامة أنواع، فمنها: نماذج الشعوب أو السلالات البشرية: الفرنسي، أو الإنجليزي، أو الألماني، الإيطالي، أو الأمريكي، أو المصري، أو المغربي، أو الفلسطيني،… إلى أخره.
ونماذج المهن أو الوظائف أو المراكز، مثل الوظائف أو المراكز الدينية: الحبر أو الراهب، الكاهن أو القسيس ، الشيخ..
ومثل المهن: العامل أو الفلاح أو الحرفي، المعلم أو الطبيب أو المحامي أو الصيدلي، أو التاجر أو حفار القبور، الجندي أو الشرطي أو الضابط أو الحارس..
ومثل: الجلاد أو الطاغية أو المخبر السري أو الجاسوس، ومثل: البغي أو اللص أو قاطع الريق أو المرابي ….
وكذلك المنازل الاجتماعية والأخلاقية، مثل: الرجل الفظ أو غير المتحضر، أو الرجل الجينتلمان، أو الرجل المنحرف، كذلك نماذج المشوهين بدنياً أو سلوكياً أو المبتلين، مثل: الأعمى، المجنون، المعتوه، الأحدب، الكسيح، المقامر، السكير، مدمن المخدرات…
والباحث المقارني يدرس هذه الشخصيات في مختلف الآداب، يدرس تصوير الأدباء لهذه النماذج الاجتماعية والإنسانية.
ويتأتى ذلك عن طريق تتبع الباحث المقارني للصفات المشتركة التي رآها الأدباء في هذه الشخصيات، ومدى تأثر بعضهم ببعض، أو رد بعضهم على بعض ..
مثال على ذلك: الفلاح، تناوله عدد كبير من الأدباء، وصوروا حياته وأعماله، وكثيراً ما صوروا آلامه ومعاناته، ويذكر هنا أن الكثير من الأدباء المصريين والعرب تأثروا بالأدب الروسي في تصوير الفلاح المصري.
ويمكن أن ندرس جوانب التأثر والتأثير بين الكتاب الذين تناولوا شخصية المومس أو البغي، حيث اختلفت هذه الصورة في تناول الكتاب، في مختلف الآداب، وعلى مر العصور.
بعض الكتاب اعتبر المرأة المنحرفة أو الساقطة امرأة فاضلة، بل هي في صورة ملاك، يساعد ويعطي دون أي مقابل، وهذا ما لا يفعله من يتشدقون بالتدين أو بالأخلاق الفاضلة، ولعل خير مثال على ذلك مسرحية (غادة الكاميليا) للفرنسي (الكسندر ديماس)، التي عربها المنفلوطي بعنوان (الضحية)، وضمنها كتابه (العبرات)، ومثال آخر من الأدب العربي، شخصية (نور) في رواية نجيب محفوظ (اللص والكلاب)، وشخصية (لولا ) في (السمان والخريف) لمحفوظ أيضاً.
وبعض الكتاب صور الساقطة في صورة ضحية مغلوبة على أمرها، ضحية لا ذنب لها في سقوطها، بل المسئول عن ذلك مسئولية كاملة المجتمع الذي قد يكون دفعها إلى الرذيلة أو الهاوية دفعاً.
وبعض ثالث اعتبرها آفة اجتماعية، لا سبيل إلى إصلاحها، بل هي خطر داهم على المجتمع الذي تعيش فيه.
ومما لا شك فيه أن مسرحية (غادة الكاميليا) كان لها أثر كبير على الكتاب العرب الذين تناولوا شخصية المومس أو البغي الفاضلة.
ونحب أن نذكر هنا أن الكاتب/ نجيب حداد كان من الكتاب الذين قلدوا الرواية الفرنسية موضوعاً وشكلاً، وخاصة في روايته التي أسماها (إيفون مونار أو حواء الجديدة)، التي تدور حول فكرة رد اعتبار العاهر، وتأثر فيها بأفكار كل من: رومان رولان، والكسندر دوماس، وغيرهما في الأدب الفرنسي، ونجيب حداد ليس غريباً عن الرواية الفرنسية، فقد قرأها وترجم بعضاً منها، وبذلك يعد نجيب حداد أول من تطرق لموضوع الدفاع عن البغي في الأدب العربي الحديث.
ومثال آخر على الموضوعات أو النماذج التي يتناولها الأدب المقارن، موضوع الحب المحرم في التراث المسرحي أو القصصى العالمي، وعلى صعيد الأدب العربي، فشخصية (فيدرا) التي يمكن أن نعتبرها امرأة في ملتقى الآداب العالمية، حيث يمكن تتبع قيمة كسر التابو أو التقليد في العلاقات الأسرية بنشوء عاطفة آثمة في داخل الأسرة، وذلك بدءاً من مسرحية (هيبو ليت) للشاعر التراجيدي الإغريقي / يور بيدس، ثم المعالجة الفرنسية لنفس الموضوع في القرن السابع عشر الميلادي بقلم الكاتب المسرحي/ راسين، تحت عنوان (فيدرا)، ومعالجة نفس القيمة مع تغير الأدوار في الرغبة المحرمة في مسرحية (تحت أشجار الدردار) للأمريكي/ يوجين أونيل، ومسرحية (اللص) لتوفيق الحكيم.
ومن النماذج العامة نموذج (البخيل) الذي دارت حوله مسرحية الشاعر اليوناني/ ميتاندر، وهذه المسرحية لم تصل إلينا، ولكن الشاعر الروماني/ بلوتوس قام بمحاكاتها في مسرحية له، عنوانها: (أولولاريا) أو (وعاء الذهب)، وجرى تصوير هذا النموذج في مسرحيات أخرى في بعض الآداب الأوربية من أشهرها مسرحية (البخيل) للشاعر الإيطالي / كارلوجولدوني، ولا ننسى بالطبع أشهر مسرحية عرفت باسم (البخيل) للكاتب الفرنسي / (موليير)، وكان لهذه المسرحية أثر كبير على الأدباء العرب الذين تناولوا شخصية البخيل.
وعلى دارس الأدب المقارن أن يتناول موضوعاً من هذه الموضوعات من جوانب التأثر والتأثير .
الطائفة الثانية:
الطائفة الثانية من النماذج الأدبية، هي النماذج الأسطورية الخيالية، وهي تعود إلى حكايات قديمة أو موغلة في القدم، تحورت أو تشوهت، أو فقدت معناها الأصلي، ومن هذه النماذج نموذج الشيطان، وله تاريخ طويل وعريض في جميع المعتقدات الدينية، مثل مسرحية (فاوست) لجوته، ومسرحية (منفرد) لبيرون.
وكذلك نموذج الساحرة الشريرة أو الساحرات ، وخير مثال على ذلك الساحرات في مسرحية (ماكبث) لشكسبير، وكذلك نماذج الغول، والعفريت، والشبح، وكلنا مازال يذكر شبح (هاملت) في مسرحية شكسبير.
وهناك شخصيات أسطورية قد تتحول إلى رمز فلسفي أو اجتماعي، ويتناولها الأدباء من وجهات نظرهم الخاصة، أو من وجهة آرائهم المختلفة، في إطار نظرتهم الخاصة، والتي تتفق مع عصورهم أو مع واقعهم المعاش.
ومن هذه الشخصيات انموذج بجماليون، وهو فنان من جزيرة قبرص، هاما عشقاً أو حباً بجمال تمثال صنعه بيده.
وهذا الموضوع نفسه نجده في الأدب الروماني القديم عند (أوفيد) الروماني، والذي عاش بين عامي 43 قبل الميلاد، و17 ميلادية، في قصته (المسخ) .
وعرض لنفس الفكرة كتاب وشعراء من مختلف الآداب، وتأثر بها من الكتاب العرب، توفيق الحكيم في مسرحيته (بجماليون) التي نشرها عام 1943 م، وإن كان الحكيم يطرح فيها مسألة التردد بين مثالية الفن وواقع الحياة.
ويجدر بالذكر هنا أن للكاتب الإنجليزي برنارد شو مسرحية بعنوان (بجماليون)، وفيها يركز على مشكلة اجتماعية هي مشكلة الطبقة في المجتمع الإنجليزي.
ومما لا شك فيه أن الحكيم تأثر بكل المصادر الأدبية التي عالجت شخصية (بجماليون) .
نقول: إن فكرة أننا نقدر ونحترم ونحب من نصنع أو نربي أو نعلم، أكثر مما نقدر ونحترم ونحب من صنعنا أو علمنا أو ربانا، هذه الفكرة نجدها عند توفيق الحكيم في مسرحيته (شمس النهار) التي نشرها سنة 1965 م، وبالطبع هي نفس الفكرة التي نجدها في بجماليون التي كتبها (أوفيد) الروماني، وتأثر بها العديد من الفنانين والأدباء والشعراء .
ومن تلك النماذج الأسطورية (برومثيوس) ، وهو من الأساطير اليونانية القديمة ، تدور حول إله من آلهة النار .
وقد تناوله العديد من الشعراء في شعرهم، وكذلك بعض كتاب المسرح في مسرحياتهم، وبالذات في بلاد اليونان القديمة، ثم انتقل هذا التأثر إلى الكتاب الأوربيين مع عصر النهضة الأوربية.
وكذلك تأثر بهذه الأسطورة بعض الشعراء العرب، مثل الشاعر التونسي / أبي القاسم الشابي، في ديوانه (أغاني الحياة )، كما تأثر به الشاعر / عبد الرحمن شكري، وكذلك عباس محمود العقاد، وغيرهم .
ونعود إلى شخصية أو رمز الشيطان فنقول : إنه نموذج دخل إلى الأدب، وابتعد عن المصدر الديني، وقد اتخذه الشاعر الإنجليزي / جون ميلتون ، الذي عاش بين عامي 1608 م و 1674 م، عماداً لعمله المهم (الفردوس المفقود).
والرومانسيون يعبرون على لسان الشيطان عن آرائهم فيما يعتريهم من قلق وشك وبؤس وحزن وخوف وضيق .
ويبدو واضحاً جلياً أثر هذه الشخصية في الأدب الروسي الرومانسي عند (ليرمنتوف) في قصيدته الغنائية التي عنوانها (الشيطان)، وهو في ذلك متأثر إلى حد كبير بالشاعر الإنجليزي / بيرون.
وقد جعل الأديب الفرنسي / فيكتور هوجو الشيطان ممثلاً للإنسانية كلها ، في حالة ابتعادها عن الله تعالى، وإنه الحاسد لبني آدم لأن في عيونهم الأمل، وفي قلوبهم الحب والصفاء.
عباس محمود العقاد تأثر بهذه الشخصية، فكتب قصيدة عنوانها (ترجمة شيطان)، تحدث فيها عن شيطان ناشئ سئم حياة الشياطين، وتاب عن صناعة الإغواء .
والقصيدة في مجملها تضم الكثير من آراء العقاد وتطلعاته الفلسفية التي ساقها على لسان الشيطان، وهو فيها متأثر إلى حد كبير بالرومانسيين الأوربيين.
ونشير إلى موضوع آخر في مجال دراسة الشخصيات المتميزة أو التي لها معالم أو ملامح معينة، وهذا ميدان يهتم به الأدب المقارن، ومثال على ذلك شخصية جحا الأسطورية التي تعود إلى المصادر الشعبية، وقد أصبحت موضوعاً تتناوله الآداب العالمية بمختلف ألوانها، فجحا هذا نجده في الأدب الشعبي المصري، وكذلك في الأدب الشعبي التركي، وفي الأدب الشعبي القوقازي، والأدب الشعبي الفارسي.. وهو في كل هذه الآداب رمز للإنسان البسيط خفيف الظل، والذي يعبر عن رأيه في شجاعة منتقداً أوضاع السلطة الحاكمة الفاسدة أو المستبدة ، حاملاً ملامح وعادات وتقاليد وأعراف كل أمة ينتمي إليها، أي أنه على الإجمال خير معبر عن الوجدان الشعبي وموقفه من عصور القهر والظلم .
وشخصية (شهرزاد) التي تعود إلى قصص ألف ليلة وليلة أو الليالي، ونقلت إلى الآداب الأوربية وأصبحت رمزاً للاهتداء إلى الحقيقة عن طريق القلب والعاطفة.
وعن الليالي انتقلت فكرة (علاء الدين والمصباح السحري)، ومن الليالي أخذ توفيق الحكيم مسرحيته (شهر زاد) التي نشرها سنة 1934 م، وكذلك أخذ طه حسين (أحلام شهر زاد) التي نشرها لأول مرة بالقاهرة ، سنة 1942 م.
ومن ذلك شخصية (دون جوان) التي ظهرت سنة 1887 م، ولا نستطيع دراسة البلد أو الموطن الذي نشأت فيه هذه الشخصية أو أسطورتها، وما نعلمه أن أقدم مسرحية تناولت هذه الشخصية الأسطورية (ساحر إشبيلية) التي ألفها ترسو دي مولينا (1584 م ـ 1648 م)، وتبعه جمع من كتاب أوربا وشعرائها، منهم: موليير الفرنسي ، وبيرون الإنجليزي، وجولدوني الإيطالي، وهوفمان الألماني .
ويرمز دون جوان إلى الإنسان المستهتر المخادع الذي لا هم له ولا هدف إلا مغازلة النساء ، وتحطيم قلوب العذارى، من أجل أن يفتنهن ثم يهجرهن دون عودة .
ويصور بعض الكتاب دون جوان بصورة التائب الذي يلاحقه عذاب الضمير على ما فعل من خطايا، إلى غير ذلك من الصور التي صورتها أقلام عدد من الكتاب والشعراء لهذه الشخصية وفقاً لوجهات نظرهم، ولرؤيتهم الخاصة .
هكذا استلهم كثير من الكتاب شخصية دون جوان محطم قلوب العذارى، والذي لا نعرف له وطناً، ولا نعرف في أي وقت ظهر، استلهموا فيه أشياء شتى بهذا الاسم وبغيره ، وقد تعرضت لأسطورة دون جوان العديد من الأبحاث التي تمتاز بالغنى والدقة ، منها البحث الذي كتبه / جاندرم دي بيجوت، وهو أطروحته لنيل درجة الدكتوراه في الآداب، والتي كان عنوانها (أسطورة دون جوان من أصولها إلى الرومانسية).
وكليوباترا كان لها حظ موفور في الآداب العالمية التي تناولتها في مختلف البلاد ، وقد برزت في بعض المسرحيات الفرنسية، ومنها مسرحية ( كليوباترا الأسيرة)، التي كتبها الشاعر الفرنسي / جوول (1532 م ـ 1573 م)، وظهر بعدها مسرحية (كليوباترا) للشاعر الإنجليزي / صموئيل دانيال، المتوفى (1594 م)
كما تناول كليوباترا الشاعر الإنجليزي الشهير / شكسبير في مسرحيته (أنطونيو وكليوباترا) التي تأثر بها العديد من الأدباء في مختلف العصور، حيث تناولها بعد شكسبير عديد من الأدباء في فرنسا وانجلترا وغيرهما من البلاد الأوربية .
وفي مصر نجد مسرحية (مصرع كليوباترا) لأحمد شوقي ، وقد دافع فيها دفاعاً مستميتاً عن كليوباترا، وجعل منها ملكة وطنية ، تحب مصر وتعمل على صالحها، وتضحي بحبها من أجل مصر.
ومن الشخصيات التاريخية في الأدبين العربي والفارسي، نجد شخصية ليلى العامرية وحبيبها قيس بن الملوح العامري ، أو مجنون ليلى ، ولقصة حبهما حديث طويل بما نسب إليهما من أحداث تعرفها كتب الغزل العفيف، وكتب التصوف.
والمعروف أن أحمد شوقي له مسرحية عنوانها (مجنون ليلى)، كما أن للشاعر/ صلاح عبد الصبور مسرحية من الشعر الحر هي (ليلى والمجنون).
وقد تناول هذه النماذج والشخصيات بالبحث والدرس يعد من الموضوعات التي يدرسها ويهتم بها الأدب المقارن، وهذا ما نجده كثيراً في الآداب الأوربية المختلفة ، ولكنه لا يزال حديث العهد والنشأة في الأدب ، وفي النقد العربي.
الأسانيد و المراجع
1 – فردوس نور علي، بحوث في الأدب المقارن، كلية الدراسات الإسلامية والعربية، فرع البنات، جامعة الأزهر، القاهرة، 1987 م.
2 – فان تيجم و فرانسوا جبار، الأدب المقارن مترجم إلى العربية، دار الفكر العربي، القاهرة، بدون تاريخ.
3 – فان تيجم وفرانسوا جوبار، الأدب المقارن، ترجمه محمد غلاب، سلسلة الألف كتاب، 1956 م .
4 – محمد غنيمي هلال، الأدب المقارن، القاهرة، 1965 م .
5 – كلود بيشوا واندريه روسو، الأدب المقارن، باريس، 1968 م، ترجم رجاء عبد المنعم جبر بعض فصوله، بعنوان: مذكرات في الأدب المقارن، القاها في محاضرات على طلبة كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، في العان الجامعي 1973 – 1974 م .
6 – طه ندا، الأدب المقارن، القاهرة.
7 – محمد مفيد الشوباشي، رحلة الأدب العربي إلى أوربا، القاهرة.
8 – محمد غنيمي هلال، قضايا معاصرة في الأدب والنقد، القاهرة.
9 – بدوي طبانه، التيارات المعاصرة في النقد الأدبي، القاهرة.
أعداد مختلفة من مجلة (الرسالة) وبالذات الأعداد الصادرة سنة 1934 م، وغيرها من الأسانيد والمراجع التي أشرنا إليها خلال هذا البحث.
_______________

yusri_52@yahoo.com
هاتف: 3176705 2 جوال: 01021057359 أو 01114656533